اسعد عبد الله عبد علي

اسعد عبد الله عبد علي

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كلمة الغموض هي التعبير الامثل لما تعيشه دويلة الكيان الصهيوني, فهي لا تعرف ماذا ينتظرها مستقبلا, خصوصا انها لم تنجح في كسب ود المنطقة, على الرغم من مرور اكثر من 100 على سيطرتها بالقوة على ارض فلسطين, وقد كشف العدوان الاخير على غزة هشاشة موقف دويلة اسرائيل, بل حتى الموقف الدولي لم يكن مثل قوة مواقف الماضي, خصوصا الموقف البريطاني والفرنسي والامريكي, فاتجهت الجهود فقط لإيقاف الحرب, حيث اصبحت "اسرائيل" عبئ كبير على القوة العالمية التي ساندتها طويلا.

ساحاول تفكيك الموضوع, لتوضيح ان ما يجري في الشرق الاوسط عام 2021 لا يشابه ما سبقه.

 

·       الموقف الامريكي الهادئ

عودتنا السلطة الامريكية على مواقف متشنجة متحيزة لصالح الصهاينة دائما, فمع عمق العلاقة بين الامريكان والصهاينة لكن كان طروحات ادارة بايدن هادئة وتدعو لقضية حل الدولتين بالأطر السلمية, بل وتحدثت عن موضوع فتح قنصلية في القدس الشرقية بعد ان اعترف ترامب بالقدس عاصمة للصهاينة, فهو تحول غريب! والاغرب تحدثها عن مساعدات لأعمار غزة.

مع ان الصهاينة يتعرضون لأول مرة لهجمات صاروخية من غزة وبألاف الصواريخ.

لكن يمكن القول ان امريكا كانت متخوفة من اتساع رقعة الحرب, لتتجاوز فلسطين ودخول جنوب لبنان وسوريا على الخط, وعندها لا يمكن انقاذ الصهاينة من موقف مخيف, لذلك التزمت مبدأ التهدئة.

 

·       تغير المواقف داخل امريكا

خلال الازمة الاخيرة برزت اصوات امريكية على غير العادة ضد الصهاينة, فقد طالب اعضاء في الكونغرس باتخاذ مواقف متشددة بشان الانتهاكات الاسرائيلية في القدس المحتلة, وطالب نواب ديمقراطيين بوقف بيع الاسلحة لإسرائيل, وكذلك وقع ما بين 500 الى 1000 عضو من حملة الرئيس الأمريكي جو بايدن وموظفين في الحزب الديمقراطي من 22 ولاية, على رسالة تدعو بايدن لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية” بعد عدوانها الأخير على قطاع غزة, وهذا يحدث لأول مرة.

تصور هذه الاصوات ضد اسرائيل تنطلق من داخل الدولة (الام الحاضنة) للصهاينة, فهذا ينذر بمستقبل مخيف للصهاينة.

 

·       الرعب من حزب الله

المراقبين كانوا يفهمون تخوف القوى الاقليمية من دخول حزب الله الحرب, والذي يعني انتهاء وجود اسرائيل بنسبة كبيرة, خصوصا ان نتائج حرب 2006 مازالت ماثلة امامهم, وبعد 15 عام تضخمت قوة حزب الله كثيراً, فأي تحرك منه سيكون ضربة قاصمة لظهر الصهاينة, لذلك سعت القوى العالمية للتهدئة والبحث عن حل سلمي للازمة, حتى مع وقوع الاف الصواريخ الفلسطينية على رؤوس الصهاينة, فالموضوع كان شديد التعقيد, مما فرض على الغرب التعامل بهدوء مع الازمة, للحفاظ على حليفهم (الصهاينة).

 

·       موقف مصري مميز

 

لا يمكن تجاهل الموقف المصري القوي في الازمة الاخيرة, وهنا نسلط الضوء على الصوت المصري العال, اولا: دعا الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس السابق لجامعة الأزهر، في خطبة الجمعة المذاعة على التلفزيون المصري الرسمي، إلى تشكيل "قوات ردع إسلامية", ثانياً: وصف وزير الخارجية المصري سامح شكري ما يجري في الأراضي الفلسطينية بأنها "معركة وجود" وأن ما قام به الفلسطينيون في القدس وغزة "مدعاة للفخر والاعتزاز".

هذا الموقف المصري القوي جاء بعد متغيرات اقليمية جديدة, منها التوجه المصري نحو استعادة دور القاهرة العربي والاسلامي، واعادة تمتين العلاقة مع القوة الفلسطينية، وكذلك جاء رداً على دعم الكيان الصهيوني لأثيوبيا عسكرياً وسياسيا في مواجهة مصر في ازمة سد النهضة، حيث تعتبر مصر قضية سد النهضة تهديدا وجوديا لها،

حضرنا مجلس عزاء لاحد الاخوة, وكان بقربي مجموعة من الحضور في نقاش شديد حول "الدولة العميقة", واختلفت تفسيراتهم لها, فاحدهم يعرفها بانها بقايا البعث لا غير, واخر يقصد الساسة المتنفذون وقوتهم في تسخير مقدرات الدولة لخدمتهم, واخر كان يقصد السفارة الامريكية بالدولة العميقة, الحقيقة وجدت الموضوع مهم للكتابة, خصوصا ان مصطلح "الدولة العميقة" متداول كثيرا, وهكذا وجدت نفسي اكتب عن ماهية الدولة العميقة.

اول الكلام سيكون عن تاريخ هذا المصطلح السياسي الملفت, كي نؤسس الافكار بشكل متسلسل, ثم التطرق للمثال الامريكي والتركي والمصري الاقرب للفهم.

 

·       ولادة مصطلح "الدولة العميقة"

في عام 1923 نشأت في تركيا ظاهرة الدولة العميقة، وهي: "عبارة عن شبكة سرية أنشاها مصطفى كمال أتاتورك، وعُرفت هذه الشبكة باسم "Derin Devlet" ومعناها "الدولة العميقة" وتتألف هذه الشبكة من عدة مجموعات من الشرطة وضباط القوات المسلحة وبعض من رجال القضاء والبيروقراطيين ومجموعات أخرى، وتقوم هذه الشبكة بالقيام بأعمال سرية الهدف منها المحافظة على علمانية الدولة التركية التي أنشأها كمال أتاتورك، وقمع أيّ أفكار أو حركات أو أحزاب أو أعضاء الحكومة التي من شأنها تهديد العلمانية.

ويمكن تعريف الدولة العميقة: "مفهوم شائع غير مُتخصص، يُستخدم لوصف أجهزة حاكمة غير مُنتخبة، وهذه الأجهزة تتحكم بمصير الدولة، كالجيش أو المؤسسات البيروقراطية المدنية أو الأمنية أو الأحزاب الحاكمة".

 

·       الدولة العميقة وخندق المؤامرة

يمكن يكون سبب وجود الدولة العميقة بهدف المؤامرات أو بهدف مشروع سري؛ كالمحافظة على مصالح الدولة كأنظمة الحكم، وكما أنّه يكون للدولة العميقة عدة عناصر موجودة في مؤسسات الدولة ومفاصلها المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، وهذه العناصر تعمل جميعًا باتجاه أهداف مشتركة، وتوجيه مؤسسات الدولة الرسمية وقراراتها السياسية باتجاه ما يريدون هم.

ان للدولة العميقة عدة مُسميات؛ كالدولة المتجذرة أو دولة بداخل دولة التي تُسمى لوصف بعض الأحزاب والجماعات التي تتصرف كأنّها دولة، لكن هذه الدولة ضمن حدود دولة مُعترف بها، أو الجهاز المخابراتي لدولة معينة، ومن الأمثلة الشائعة على مفهوم الدولة العميقة؛ الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وتتمثل في وكالة الأمن المركزي واللوبيات، والدولة العميقة أو المتجذرة في تركيا، و الدولة العميقة في مصر المُتمثلة في الجيش وكبار رجال الأعمال.

 

·       تفكيك الفكرة

عناصر الدولة العميقة يرتبط مفهوم "الدولة العميقة" بمفهوم وهو "دولة داخل الدولة"، ومعناه أنّه يوجد حكومة على رأس حكومة أخرى، وتُنتخب حكومة واحدة من قبل السكان، في حين أنّ الحكومة الأخرى لا تمر بأيّ عملية انتخابية، وتتألف الحكومة المُختفية من عدة عناصر، تتمثل في:

 

اولا: الموظفين الحكوميين السابقين الكبار من المدنيين والعسكريين: فهم يتفقون على تقاسم الثروة والامتيازات، والتناوب على السلطة، وتتم المنافسة فيما بينهم في بعض الأحيان.

 

ثانيا: رجال الأعمال: وهم يمثلون النخب الرأسمالية، ويحاولون استخلاص رأس المال، واحتكار الاستثمارات، واستمرار امتيازاتهم المالية.

 

ثالثا: عناصر من المثقفين والتكنوقراط: وهم من الأوساط الأكاديمية، ومن الأشخاص الذين يعرفون كيفية السيطرة على الدولة، وذلك من خلال عملية صياغة الدستور، ووضع القوانين والتشريعات الأخرى التي لديها أجندة خفية.

 

 

·       الدولة العميقة والعنف

أحد أدوات عمل الدولة العميقة كي تحافظ على شبكات المصالح بداخلها هو استخدام العنف, في إطار حالات استثنائية خارج إطار القانون وهو ما يعرف بحالة الاستثناء، والتي يتم فيها اتخاذ العديد من الاجراءات الأمنية بدعوى الحفاظ على الأمن القومي من الخطر الخارجي, وأنه هناك دائما عدو مترصد لابد من التأهب دائما لصده عن ما يشكله للدولة من تهديد، وفي إطار ذلك تقوم الدولة بقمع المعارضين, وكل من هم لا يشعرون بالرضا عن أداء الدولة بشكل عام والسياسي بشكل خاص، ويكون الهدف هو إضفاء طابع قانوني على حالة الاستثناء.

وليس بعيدا أن يتم استغلال المؤسسات الاعلامية التي تسيطر عليها الدولة, لتبرير تلك الاجراءات, حتى يتم إضافة طابع قانوني لجميع التصرفات.

 

·       الخداع منهج الدولة العميقة

تقوم الدولة العميقة أحيانا بانتهاج الحيل والخداع على المواطنين من أجل الحفاظ على النظام العام, ومنظومة القيم والمعتقدات المتعلقة بشكل مباشر أو غير مباشر للدولة, واستخدام الجهاز الاداري “البيروقراطية” يعد أحد أدوات الدولة العميقة، وهو فرع عن القانون من أجل تطويل العمليات الادارية على المواطنين, والتي من خلالها يعمل الموظف على الحفاظ على النظام العام, وعدم إعطاء للمواطن الفرصة بالاعتراض أو احداث خلل في تلك المنظومة.

أيضا تقوم الدولة بامتلاك أدوات الاقتصاد والتحكم في الاسواق من أجل الحفاظ على شبكات المصالح الاقتصادية, التي تستفيد بشكل ما أو بآخر ببقاء النظام العام على ما هو عليه, وفي سبيل ذلك تقوم بافتعال الأساطير والحكايات التي من خلالها تتحكم في مسألة العرض والطلب واتجاهات السوق.

 

·       خلاصة القول

أننا أمام تكتل وشبكة معقدة من العلاقات والتداخل بين أجهزة ومجموعات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية ومدنية, لمقاومة أي تغيير يطرأ من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية التي يتوقف عليها وجود الدولة العميقة والقائمين عليها.

نستطيع أن نرى ذلك في أمثلة واقعية مثل في تركيا “الحفاظ على علمانية الدولة عن طريق الاغتيالات السياسية واحداث اضطرابات”، الولايات المتحدة الأمريكية ” الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمن القومي من خلال السيطرة على السوق داخليا، والحروب وقلب الأنظمة السياسية في دول بعينها خارجيا” ومصر ” الحفاظ على المصالح المختلفة المنتفعة من النظام العسكري مثل السيطرة على الخدمات الحيوية مثل الكهرباء والطاقة”، وغير ذلك من الأمثلة الكثير والكثير الذي يوضح تلك الحقيقة بشكل جلي.

إنها ليست دولة داخل الدولة, إنما هي الدولة نفسها.

تناقلت الوكالات العربية والمحلية صباح يوم الاحد المصادف 16-5-2021 خبرا غريبا, يتحدث عن العثور على صاروخ طائرة حربية بوزن الف كيلو غرام! ولم يظهر له صاحب, لا تتفاجئ عزيزي القارئ فكل الخيال ممكن ان يحدث في بلد الواق واق, فمر الخبر من دون أي ردود فعل محلية! هذا الامر لو حصل في أي مكان اخر في المعمورة لأحدث زلزالاً شديداً, فكيف يمكن ان يشعر المجتمع بالأمان والصواريخ الخطيرة تتناقلها الايدي!  

ونص الخبر كما نقلته الوكالات الخبرية: "عثرت مديرية الاستخبارات العسكرية بالعراق على صاروخ يزن طنا في قضاء الكرمة بمحافظة الأنبار, وذكرت المديرية - في بيان أوردته قناة (السومرية نيوز) "أنه من مساعيها للوصول إلى مخابئ أسلحة وعتاد داعش الإرهابي, وبالتنسيق مع قسم استخبارات قيادة عمليات الأنبار, تمكنت قوة من شعبة الاستخبارات العسكرية في الفرقة العاشرة بالتعاون مع الفوج الثاني لواء المشاة 40 من العثور على صاروخ طائرة حربية نوع B2 يزن طنا, في منطقة الحراريات بقضاء الكرمة الأنبار, كانت العصابات الإرهابية تنوي استخدامه كعبوة ناسفة, وأشار إلى قيام قوة من هندسة الفرقة برفع الصاروخ والتعامل معه وفق السياقات المعمول بها".

نحاول هنا فهم ما وراء الخبر؟ وما هي اهم دلالات الموضوع, وما مخاطر المستقبل؟

 

اولا: تجار السلاح مافيا خطيرة.

لا يمكن اخفاء امر خطير, الا وهو ان هذا الصاروخ لم يصل في قضاء الكرمة الا عبر تجار السلاح, ممن يتعاملون مع التنظيمات المريبة خارجة على القانون, ويمكن القول ان الصاروخ يعود لحقبة صدام, حيث تم عند نيسان 2003 الاستيلاء على مخازن عملاقة للسلاح, من قبل عصابات محترفة, كانت تنتظر ساعة الصفر لتجمع ما يمكن جمعه من العدة والعتاد, لتتاجر به لاحقا, وتبيع لمن يدفع حتى لو كان المشتري الشيطان نفسه!

وقد استخدمت تلك الاسلحة في الاعمال الارهابية طيلة الفترة الماضية, ويبدو ان المناطق الصحراوية والحدودية واطراف المحافظات تضم في داخلها مخازن كبيرة للسلاح, لذلك تحتاج مد ذراع القانون عبر عمليات مركزة, للقضاء على مكامن الخطر المستقبلي على العراق واهله.

 

ثانيا: خلايا نائمة ستصحو يوما ما.

لا يمكن اعتبار النصر على داعش وفلول البعث قد انهى تلك القصة, بل كانت جولة فقط, والا فالأعلام يتكلم بصراحة عن الخلايا النائمة, وحتى الساسة يطرحون هذه الصفة بيقين كامل, فالأمر ليس خفي على العراقيين, من ان بقايا البعث والدواعش قد اعادوا تنظيم صفوفهم ويعملون بصمت, منتظرين الفرصة للانقضاض على الوضع الحالي.

هنا لا يمكن السكوت والركون للخمول, والا نصحو على يوم كيوم سقوط الموصل "لا سامح الله", فيجب على الجهات الامنية القيام بخطط محكمة استباقية للقضاء على التهديد المستقبلي, خطط لملاحقة الخلايا, خطط لتنظيف الجغرافيا, خطط لكشف ما يخططون له, خطط ردع استباقية, خطط لتفكيك تلك الخلايا, ويجب ان يكون هنالك نظام معلومات متكامل عن قيادات تلك التنظيمات النائمة, ومسار حركتهم, والمنتمين الجدد لهم, بالاضافة لتشكيل كيان امني مهمته ملاحقة تجار السلاح وتوفير منظومة معلومات بهم.

 

ثالثا: الاشهر القادمة تنذر بالخطر

اكتشاف هذا الصاروخ ينذر بحراك سري تمارسه الخلايا النائمة! حيث تعد العدة لحراك خطير مع قرب الانتخابات المزعومة, وهنالك الكثير من الاطراف التي تريد عودة التفجيرات, منها جماعات ارهابية, واخرى قوى سياسية لدوافع تنافسية, فالأهداف تلتقي عند الارهابيين والساسة في قتل المواطن ونشر الرعب, والخبر يشير انه كان عزم القوى الظلامية يتجه لاستخدام هذا الصاروخ كعبوة ناسفة وهو يزن طن! فتخيل حجم التفجير الذي سينتج عنه لو تم لهم الامر.

الخبر  يتحدث عن ما تم كشفه, والاكيد هنالك الكثير مما لم يتم كشفه, قد تكون وصلت الى حيث يراد لها.

لذلك على السلطة تكثيف الجهد الامني, خصوصا في المناطق الحدودية والصحراوية واطراف المحافظات, لملاحقة جيوش الظلام التي تريد شراً بالعراق واهله.

 

رابعا: الحدود وحالة الانفلات

تعاني الحدود العراقية من حالة انفلات خطيرة منذ عام 2003 والى اليوم, حتى ان المعابر الرسمية تتقاسمها الاحزاب, مما جعلها ممرات امنة لكل ما يخالف القانون من أي تجارة غير شرعية, فحكايات المخدرات, والبضاعة الفاسدة, والادوية منتهية الصلاحية, وحتى تجارة الاعضاء البشرية والنساء, كلها تمر من دون ردع, عندها عليك ان تتصور تلك الصواريخ بمختلف احجامها تمر عبر الحدود العراقية وبكل يسر!

معالجة الانفلات على الحدود العراقية يجب ان يكون اولوية للحكومة العراقية, كي نؤسس لدولة قوية.

ويحتاج الامر لمراقبة الممرات التي تستخدم من قبل المافيا, وهي طرق غير خافية على الحكومة, بالاضافة لنظام مراقبة عبر الكاميرات لرصد كل التحركات المريبة, مع توفير طائرات مروحية لدعم قوات الحدود وللتحرك السريع الفوري, وعدم الرضوخ لضغط الاحزاب بل ان يكون القانون فوق الكل.

 

ننتظر تحرك سريع لردم تلك الهوة, قبل ان يبتلع الشر مستقبل بلدنا, وعندها نصل الى نقطة اللارجوع.

سألت ذات يوم احد الزملاء عن هدفه في الحياة؟ فقال: "لا توجد اهداف انها رحلة وضعنا بها, وعلينا ان نسير فيها الى النهاية"! كان جوابا يفشي عن خواء داخلي يعيشه هذا الزميل, والحالة منتشرة بين الالاف ممن يعيشون معنا, فالإنسان يجب ان يكون على يقين انه لم توجد الحياة فقط لمجرد ملء الفراغ, ولا ان يعيش حياة الخرفان, ان يسير خلف صنم يفكر عنه وعليه الطاعة فقط, بل يجب ان يدرك ان وجوده ليس عبثيا ولا لأدوار ثانوية, بل ان يحمل يقين ان دوره في الحياة ليس هامشي ثانوي, بل هو بطل الفيلم.

الكلام هنا بعيد عن العقيدة الدينية وادلة استحالة العبث, بل عن المستوى الشخصي للإنسان والطريقة الامثل للرقي.

الخطوة الاهم ان تضع اهداف بعضها قريبة المدى, واخرى بعيدة المدى, وتشرع بوضع الخطط في سبيل تحقيق تلك الاهداف, نعم قد لا تتحقق كل تلك الاهداف, لكن في خلال السير نحوها سيثمر خير كثير, والان سنتكلم عن الاهداف قصيرة المدى.

لنخطط معا في تحقيق ثورة تغيير للإنسان الجامد الخامل, الخطة تتكون من 30 يوم فقط للتنفيذ, والمقال سيكون فقط عن الاهداف قصيرة المدى, والتي نعيش لتحقيقها.

 

اولا: قراءة ثلاثة كتب.

نحدد في بداية الشهر ثلاث كتب يجب ان يتم قراءتها خلال الثلاثين يوم, ولنفكر اي نوع من الكتب ممكن ان نحدد لأول شهر, وهنا اقترح هذه الكتب وباقي الاشهر انت فكر بالعناوين حسب حاجتك للتطور.

الكتاب الاول هو: "فن إدارة الوقت" وهو من أشهر كتب ديل كارنيجى رائد التنمية البشرية, و الكتاب سيثير دهشتك بداية من العنوان إلى الفهرس, فمن يقرأه بوعي سيخرج بفائدة كبيرة تنعكس على حياته, وسيسهم في تنظيم وقتك بشكل تدريجي.

الكتاب الثاني هو: "قوة عقلك الباطن", وقراءة كتاب يتحدث عن القوة الباطنة للإنسان مهم جدا, وهو من أشهر مؤلفات الكاتب جوزيف ميرفي، تتمحور فكرة الكتاب حول كيفية الاستفادة من أجزاء اللاوعي من العقل، فيطرح امور مهمة من قبيل: "الحرص على حب الخير للآخرين والابتعاد عن الحسد, لأن هذه الصفة سوف تجعل الفرد يركز مع المحيطين به فقط، مما يمنعه من تحقيق أحلامه والحصول على ما يريد".

الكتاب الثالث هو: لتكن رواية, والافضل ان تحمل افكار عميقة مثل رواية الخيميائي, وهي رواية رمزية من تأليف باولو كويلو, وتحكي عن قصة الراعي الإسباني الشاب سنتياغو في رحلته لتحقيق حلمه الذي تكرر أكثر من مرة, والذي تدور أحداثه حول كنز مدفون في الأهرامات بمصر, ووراء هذا الحلم ذهب سانتياغو ليقابل في رحلته الإثارة، الفرص، الذل، الحظ والحب, ويفهم الحياة من منظور أخر وهو روح الكون.

 

ثانيا: تحديد عمل لإنجازه.

يجب وضع هدف (عمل معين) لإنجازه خلال الشهر, مثل اصلاح شيء في البيت, او القيام برحلة معينة, او زيارة مكان سياحي او مقدس, او انجاز عمل متأخر, او تحديد خطة توفير المال بشكل يومي, حتى يأتي اليوم الثلاثين لشراء حاجة ما بما وفرته طيلة الشهر, فتحديد عمل ما ضمن الثلاثون يوم يجعل للأيام معنى وهدف, بدل الفراغ الذي كان سابقا.

 

ثالثا: زيارة مريض.

الجنبة الانسانية في حركة الانسان امر مهم, لذلك لو يتم تحديد يوم في الشهر لزيارة مريض, وهكذا يصبح عمل مهم شهري يقوم به الانسان, فليضع قائمة بالمرضى الاقارب او الاصدقاء, وليكن ذلك اليوم لتفقدهم, فالمريض يفرح بزيارة من يتفقده, والزائر تسمو روحه وتكبر ذاته بالأفعال الخيرة ومنها تفقد المرضى, ومع النية الخالصة يصبح عملا صالحا.

 

رابعا: وليمة شهرية.

ومن الامور الجيدة للنفس وتأثيرها الاجتماعي كبير, هو القيام بوليمة, ولنقل بين شهر وشهر, ولتكن وليمة بسيطة بعيدة عن الاسراف كي لا تبتعد عن اهدافها, ويدعو فيها الاخوة لتعزيز اواصر المحبة, ولتبادل الاخبار, واستشارة الاحباب بأمورنا الخاصة, ولإعادة الروح لتماسك العائلة, فتكون هدف قصير المدى يحقق الكثير على جانب البناء النفسي والانساني والاجتماعي, ومع النية الصادقة يكون ضمن الاعمال الصالحة.

 

خامسا: الالتزام بالرياضة.

الرياضة مهمة للإنسان تجعل عقله متقد نشط بعيد عن الترهل والخمول والكسل, لتكن ساعة يومية للقيام حتى لو بمجرد العاب رياضية بسيطة, ان الالتزام اليومي يجعل فيها كل خير للإنسان, وبالمقابل يحصل على صحة بدنية ونفسية وعقلية طويلة الامد, حدد ساعة يومية لا تهملها ابدا تكون لممارسة الرياضة فقط.

 

عزيزي القارئ حاول ان تجرب هذا البرنامج, واكتشف مكاسبك على كل الاصعدة, النفسي, والبدني, والاجتماعي, والفكري, والثقافي, بل وحتى الديني.

عقد التسعينات شهد ولادة المهن المنحرفة في العراق, نتيجة ضعف القانون وانحسار سلطة الدولة, فظهرت مهن من قبيل تجارة المخدرات, وبيع العملة المزورة, وتهريب الاثار, وحتى بيع الاعضاء البشرية والنساء, فالدولة التي كانت تحكم بالحديد والنار ضربتها الحرب الكونية ثم الحصار العالمي, لتنحسر قوتها وتتوجه فقط ضد المواطن الاعزل, وبعد 2003 حيث زالت الدولة البعثية, لتتشكل دولة بنظام مختلف, ظاهره الحرية والديمقراطية, وباطنه فوضى مخيفة, مع تغييب غريب لسلطة القانون, مما جعل المهن المنحرفة تتكاثر وتنمو وتتطور, ليتحول اصحابها من ذوي الحصانة او وحوش لا قدرة على كبحهم.

الحديث هنا عن تهريب الاثار الذي ولد في سنوات الحصار, ثم كبر وتحول الى غول في سنوات الديمقراطية.  

لا يمكن اخفاء الواقع المرير الذي حصل للمواقع الاثرية, حيث تعرضت للنبش والسرقة، واغلب التجاوزات التي تحدث فهي من قبل المواطنين عبر هدم الدور التراثية وزراعة الأراضي في المناطق الريفية التي تحوي على مواقع أثرية", ان المواقع الاثرية تحتاج لحراسة وبأعداد مناسبة, بغية منع العبث والسرقة بالمواقع الاثرية.

وقد شهد العراق في اعوام 2003 – 2005 عمليات كبرى لنهب الاثار وتهريبها نتيجة حالة الانفلات واللادولة, فدخلت حتى المافيا العالمية عبر ادواتها المحلية على الخط وساهمت بسرقة الكنوز التاريخية وتهريبها, ولا يمكن نسيان فاجعة المتحف الوطني وما تعرض له من نهب وتخريب وسرقة في نيسان من عام 2003, نعم هنالك جهود لاستعادة الاثار عبر متابعة المزادات الدولية المختصة سواء في اوربا او امريكا, لكن لم تتم استعادة جميع المسروقات لحد الان.

ونوضح هنا اننا لا يمكن ان نبخس حق الجهود مديرية مكافحة الجريمة المنظمة التي أدت إلى القبض على الكثير من العصابات التي تتاجر بالآثار, الا انها بقيت في نطلق محدود بسبب فساد المنظومة السياسية, لذلك بقي عمل الجهات الامنية في نطاق الممكن.

اعتقد الحل بتشكيل جهاز امني متخصص بالأثار ومنع تهريبها, التخصص هنا هو الضامن لجهود اكبر.

 

·       الاسباب الحقيقية للتهريب

 

ان ظاهرة تهريب الاثار لم تنحسر جراء استمرار أسبابها.. التي هي:

اولا: قلة الوعي لدى البعض بأهمية تلك الاثار, وعد وجود ولاء للوطن.

ثانيا: قلة عدد الحراسات على المواقع الأثرية, مقارنة مع العدد الكبير جدا للمواقع الأثرية في العراق الذي قد يصل الى عشرات الالاف وبالتالي هناك صعوبة في السيطرة عليها, مما يسهل عمليات نهب الاثار.

 ثالثا: الالاف من المواقع الاثرية والتراثية لم تعلن الجهات المسؤولة في وزارة الثقافة اثريتها او تراثيتها وذلك بغية اضفاء الحماية القانونية المشددة عليها بموجب قانون الاثار والتراث رقم 55 لسنة 2002", لذلك فهي كالمال السائب متاح للكل للعبث فيه.

رابعا: ضعف سلطة القانون مما يجعل الجريمة تتمدد وتنمو وتكبر.

 

·       داعش واثار الموصل

 

تستمر عصابات محلية خارجة عن القانون بتصدير لوحات فنية تعود للعصور البابلية والسومرية، من مواقع في (سامراء وبابل وكربلاء وذي قار)، حتى تنظيم داعش الارهابي عمل في مجال تهريب الاثار, مع انه برز للأعلام بمحطم الاثار في الموصل, فقام ببيع الاثار كحال عصابات تهريب الاثار إلى دول مجاورة، منها الخليج العربي والأردن وتركيا ثم إلى أوروبا، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، لتبقى في أيد مجهولة، تحصنها بطريقة سرية، ولا تظهر هذه القطع إلا في المزادات السرية.

في الفترة 2014 الى 2018 اشتركت مع تنظيم "داعش" عصابات عراقية محلية ومليشيات ومافيات الجريمة المنظمة، فالمصلحة تجمع الشواذ, حيث تم تهريب مئات القطع الأثرية التي عثرت عليها تلك الجماعات, من دون معرفة القيمة الحقيقية أو النقدية لهذه المخطوطات والألواح والقطع والتماثيل الصغيرة والأختام، فتم البيع من قطع اثرية فقط بمئات الدولارات، لسماسرة أتراك وعرب، مع العلم أن بعض هذه التماثيل يساوي ملايين الدولارات.

 

·       الأمارات واسرائيل والآثار العراقية

 

نشر موقع قناة العالم تقريرا هاما عن تورط اماراتيين بتهريب الاثار العراقية, ففي تقرير نشر بتاريخ 29-11-2019 بعنوان (إماراتيون متورطون في تهريب الآثار العراقية), حيث يتطرق التقرير الى قضية الاماراتيين فيقول: "أن العراق يتجه حاليا لمفاتحة الإمارات رسميا، من أجل استرجاع الكثير من القطع الأثرية التي اشتراها مواطنون إماراتيون بطرق غير شرعية", وتابع أن "هؤلاء الإماراتيون يحتفظون بتك الآثار كزينة في منازلهم"، موضحا أن "حكومة الإمارات لا تمنع ذلك، ولا تصادرها، وهي دولة تربطها بالعراق علاقة جيدة، ونأمل التوصل إلى اتفاق مع بلدان خليجية أخرى".

ويضيف التقرير أن "هناك مواجه صعبة مع كيان الصهيوني (اسرائيل)، إذْ تعمل على الاستيلاء منذ سنوات على آثار عراقية، بمزاعم أنها يهودية، وتعود إليها أصلا", ويستمر التقرير بالإفصاح عن ان "الكيان الصهيوني، وظف سماسرة وتجارا عربا وأجانب، من أجل شراء أكبر عدد ممكن من القطع الأثرية المرتبطة بتاريخ بلاد الرافدين".

 

 

·       كلمة:

انها حرب ضد تاريخ العراق يقوم بها سفلة الامة بالتعاون مع مافيا عالمية, حيث يبيعون القطع الاثرية مقابل الدولار, مع نبش وتخريب المواقع الاثرية, ويبدو ان هنالك اهداف اخرى من قبيل رغبة اسرائيل بجمع اثار العراق باعتبارها ملكا لها, وكل هذا اعتداء سافر على العراق, لذلك على السلطة العراقية ان تعد العدة لهذه الحرب, واول خط صد يكون عبر توفير حرس امني لجميع المواقع الاثرية, وثانيا عبر توفير كاميرات مراقبة لجميع المواقع ليسهل السيطرة, ثالثا توفير جهاز امني مختص بحماية الاثار ومتابعة عصابة تهريب الاثار, رابعا تشكيل فريق قانوني لمتابعة المزادات العالمية لاسترداد الاثار المسروقة.

لا يمكن ان اخفي مقدار الخيبة كبيرة التي شعرت بها من الواقع العراقي, وقلق الشديد الذي تملكني على مستقبل البلد, بعد قراءتي لتقرير لقناة الحرة بعنوان (مزاد العملة.. خبراء يحذرون من "فساد" و"تسرب" أموال العراقيين)[1], فحجم الفساد يفوق فعل اي طاغية مر على التاريخ, لم يفعلها احد قبل "الهة" اليوم, والتي وضعت نفسها بحصانة من النقد باعتبارها لا تفعل الا الصواب, حجم الفساد في العراق يحتاج لتدخل اممي والا فانه مستمر ولن تنفع معه اي اجراءات رقابية فالامر معقد جدا في العراق.

سانقل لكم ما جاء في التقرير المخيف لتدرك معي حجم الجريمة التي تحصل يوميا بحق العراق وشعب العراق.

 

·       تناقضات الارقام

يبدأ تقرير "الحرة" بتساؤل يعود لعام 2019 عن مبالغ مفقودة تصل الى 28 مليار دولار, نعم انه رقم مخيف! يقول التقرير: "في العام 2019، باع البنك المركزي العراقي 44 مليار دولار من العملة الصعبة في مزاد البنك المركزي (نافذة بيع العملات)، مخصصة في أغلبها لتغطية استيراد المواد والسلع التي تحتاجها البلاد، وتثبيت سعر الدينار العراقي ومنع التضخم، بحسب بيانات للبنك, لكن، وكما يقول متخصصون اقتصاديون عراقيون فإن حجم الاستيراد العراقي وصل إلى 18 مليار دولار، بحسب الخبير الاقتصادي منار العبيدي".

فالفارق واضح بين حجم الحوالات وبين قيمة البضائع المستوردة, فاين ذهب الفارق! وهو ليس دنانير او مليون دينار حتى انه مبلغ يصل 28 مليار دولار نعم بالدولار, هنالك خلل لا يمكن تجاهله.

 

·       النائبان الصفار والدراجي ودعوات مهمة

يتضمن التقرير حراك خجول وفردي من نائب ضمن اللجنة المالية النيابية وهو (احمد الصفار) حيث دعا في تصريحات للوكالة الرسمية العراقية: "إعادة النظر بموضوع مزاد العملة"، واضاف "مسألة نافذة العملة للبنك المركزي غير موجودة في كل دول العالم باستثناء العراق".

فالتصريح النائب ينبه الى معلومة خطيرة ان ما يجري في العراق مخالف لكل دول العالم, فهو باب لهدر  المال العام بشكل مقنن.

ثم كانت خطوة اكثر جرئة تضمنها التقرير عن لسان برلماني اخر ضمن اللجنة النيابية الا وهو محمد صاحب الدراجي حيث يقول التقرير في بيان منسوب للنائب الدراجي: أنه "تقدم بشكوى رسمية إلى القضاء العراقي لإيقاف هدر العملة الصعبة وتهريبها إلى الخارج" عبر مزاد العملة.

يتضح ان الامر ملتفت اليه من قبل البرلمان لكن بقي الكلام فيه فردي وليس على شكل قرار كتلة في محاربة الفساد, كانها محاولات للمزايدات السياسية ليس الا مع باق الامر على ما هو عليه.

 

 

·       مزاد العملة مجرد واجهة

تضمن التقرير حقائق مخيفة عن الحال السيء.. وهي:

1-    "مزاد العملة أصبح عائق كبير امام تحرر الاقتصاد العراقي, ومجرد واجهة لتمويل عمليات تهريب العملة, بعد أن تراجعت الإيرادات من النفط الخام بشكل كبير ".

2-   "المزاد يقوم ببيع أرقام كبيرة من الدولارات يوميا تفوق حاجة الاقتصاد العراقي ولا يعود منها كبضائع إلا بنسب لا تتجاوز ال٤٠ أو ٥٠ في المئة في أفضل الأحوال والباقي يذهب للمحيط الخارجي".

3-   "البنك المركزي يبيع نحو 200 مليون دولار يوميا من العملة، وهي أكبر بكثير من استهلاك السوق العراقية أو حاجتها إليها".

 

الحقيقة كل ما جاء بالتقرير يثير الرعب عن سطوة "الزومبي" على القرار العراقي, والمال الذي يسرق تحت عنوان "مزاد العملة" الى جيوب الحيتان القذرة هو مبالغ كبيرة لا يمكن السكوت عليها, وهذا سبب العجز في الموازنة, وعلة تأخر الاعمار, وسبب استمرار غول الفساد, فمن يريد قطع اذرع الفساد عليه فرض رقابة صارمة على مزاد العملة, وليس عيباً ان نطلب مساعدة الاجهزة الرقابية الاممية في حرب الفساد, وتنظيف مزاد العملة من الحيتان.

 



[1]  مقال قناة الحرة (مزاد العملة.. خبراء يحذرون من "فساد" و"تسرب" أموال العراقيين)/ الرابط  https://www.alhurra.com/iraq/2020/12/01