اسعد عبد الله عبد علي

اسعد عبد الله عبد علي

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رسمنا الامل وحددنا اهداف مجتمعنا في الحياة, ودافعنا ضد كل منحرف يعمل على هدم احلام الامة, هذا واجبنا ككتاب واصحاب اقلام, لكن هذه المواقف يمكن لها لها ان تزهر وتكبر في البيئة الطبيعية, وهذا الادوار مؤكدة في عوالم اخرى غير العراق, المصيبة العظمى ان هذه الادوار لا تنفع ان تنغرس في هذه الارض! وهذا من عجائب ما عشت وشاهدت, فالحياة هنا اشبه شيء بالجنون, ولا يمكن ان تخضع لاي قانون, لانها خارج النص.

في العالم نجد ان الحنان والرأفة ترتبط بالام, فهي رمز لكل شيء جميل, وهذا من الامور الطبيعية التي لا تقبل الجدال.

لكن في العراق الامر يختلف جدا, فكان من الامور المؤلوفة ان نقرأ قصة ام تبيع بنتها الصغيرة بهدف الحصول على بعض الدولارات, او تلك الام التي كانت تشعر بالحنق على زوجها, وبهدف اغاضة زوجها قامت برمي طفليها الصغيرين في نهر دجلة, ولم تتأسف او تشعر بالندم, في مشهد مجنون, لكنه حصل وليس من سرد الخيال, او تلك الام التي تذبح ابنها وزوجها! فقط كي تعيش حياتها مع حبيبها بكل سلام! او تلك الام التي تدفع ابنها ليكون ذباحا داعشيا او متطرفاً, وتشجعه على كل جرم يفعله, وتشد على يده وتدعو الله ان يتقبل منه هذه الافعال, وان تحسب في ميزان حسناته! مع انها عبارة عن قتل وذبح للاخر, واكثر من هذا يحصل بشكل يومي في العراق.

نشاهد اغلب دول العالم يصل للحكم والمناصب الرفعية الارجح عقلا, ويضع برنامج لرقي البلد, ثم يحاسب على مدى تنفيذ البرنامج.

في العراق يصل للحكم والمناصب الرفيعة من ليس اهلا لها, حتى تكونت طبقة متخمة من اللصوص والدواعر الزمن, ومتحكمة بكل مقدرات البلد, مما جعل ايرادات النفط تهدر سنوياً من دون ان يتحقق اي تنمية للبلد, فأي اقتصاد يمكن ان ينهض واغلبهم غير متعلمين! وفضائح تزوير الشهادات ملئت مواقع التواصل الاجتماعي, فكيف نتصور ان تحصل نهضة في العراق ونحن تحت اسر اللصوص والجهلة والمزورين.

حرمتنا الطبقة السياسية والاحزاب السرطانية من الكهرباء والخدمات والسكن اللائق والعمل, بل حتى حرمتنا من العلاج ومن تحقيق الامان والحرية, كل حقوقنا تمت مصادرتها, وبسبب كل هذا الجنون المنتشر في البلاد اصبح حلم كل عراقي الهجرة! فلو توفرت الظروف المناسبة للهجرة والى اي بلد كان, حتى لو كان مصر او كوستاريكا او حتى موريتانيا, فالعراقي يسرع بالقبول, فالهجرة والخلاص من جنون الواقع امر تحت عنوان اشد الواجبات التي لا تقبل التخاذل.

عندما تقارن ثروات بلدان العالم بثروات العراق فانه يعتبر من اغنى بلدان العالم, لكن بسبب سلوك الطبقة السياسية النتنة في تبديد الثروات, فقد ضاع على اهل العراق حاضرهم ومستقبلهم.

كنت في طريقي الى باب المعظم حيث مكان عملي, استوقفني منظر شاب في الكراج, كان محبطاً وهو يحمل فايل اخضر اللون, من المؤكد انه خريج عاطل ويبحث عن عمل, فاقتربت منه احاول مواساته, فحدثني عن ما يجول في خاطره, فقال: "لا أعرف كيف اصف لك بشاعة ما يحدث في داخلي كل يوم, لكن تخيل مشهد الزجاج عندما ينكسر, هكذا انا مهشم من الداخل بسبب البطالة التي طالت ايامها, والتي تعني ان اعيش عالة على الاخرين, ويعني ايضا ان لا اتزوج وان لا افكر في تكوين اسرة, حيث اصبح مشروع الحب والزواج مؤجل الى اشعار موعده بعيد, حتى عندما اتمرض علي ان اصبر اتحمل مرضي, ولا افكر بالذهاب للطبيب, فلا قدرة للعاطل على طلب العلاج.

الحقيقة كان كلامه مؤلماً ومحبطاً, وهو حقيقة بائسة تعيش عند الاف العراقيين, ولا تتغير مادام النظام الساسي على سلوكه المشين.

فقلت له محاولا رفع معنوياته: " ‏توقف عن أكل نفسك، ستمضي الأمور إلى حيث من المفترض لها أن تمضي بإذن الله, وسيبزغ فجر ذلك اليوم الذي تتغير فيه احوالك الى الافضل, فقط كان واثقاً من رحمة الله التي وسعت كل شيء, وانها ستصل اليك وتنتشلك مما انت فيه".

التفت الي والحزن باد على تقاسيم وجهه المتعب, وقال: "والنعم بالله القادر على كل شيء, لكن دعني احدثك عن نفسي قليلا, كانَ هُناك شيءٌ واحد تعلمته طوال تِلك السنوات وهو الصبر, في حين أنني أفهمُ الآن أنّ ما تعلمته لم يكن صبرًا وإنما قِلة حيلة, في ايام كنت اعتبرها صبراً, كنت اواسي نفسي وارمي خيباتي على الصبر".

سكت قليلا ثم همس باذني وانفاسه تتقطع كأن نارا تستعر في داخله, فقال : "أنا متعب من المكوث في المكان الخطأ، ومحبط لأنه عليَ التعايش مع الأشياء المتاحة التي لم ارغب بها ابداً، اني متعب من الحمل الثقيل الذي تجره روحي كل يوم, يا اخي مؤلم أن نعيش هذا الكم الهائل من الخيبات، في مرحلة يقال عنها زهرة العمر".

كان لدي كلام كثير, كلمات بليغة, جمل مُنسقة وجاهزة, ولكنني فقدت صوتي, راقبت مضي الزمن وأنا صامت, ضاع عني ما اقول لهذا الشاب الواعي المحبط, ذو المنطق الشديد في سبك جمله, ثم استجمعت افكاري وقالت له: " لا تدع سفهاء السياسة واحزاب العهر يحزنوك, ويسرقوا منك ايمانك, فهذا رهانهم الاخير على اهل العراق, وهو ايقاعهم في مستنقع القنوط من رحمة الله, وهو مستنقع شديد الخطورة, انه منهج سياسي خبيث مازال مطبق منذ عقود في العراق, نعم ما مر عليك صعب وايام متعبة جدا ".

اقترب الباص الذي كان ينتظره, التفت الي كانه يريد ان يقول شيئاً يختم به حديثنا.. فقال: سيحدث امراً عظيما, فالظلم لا ينتج استقرار ولا هدوء, بل انتظر الزلزال وهو قادم لا محالة, وهو نتاج سلوك الساسة, فقط ندعو ان يحفظ الله الطيبين من كل مكروه".

اسرع بالقفز للباص ليجلس وحيدا في المقعد الاخير, وجه الشاحب ملتصق بالنافذة, وعينيه شاخصتان نحو السماء كانه في حالة دعاء.

منذ ان ظهرت مرجعية السيد السيستاني وهي تتعرض للهجمات, ولم تتوقف الى يومنا هذا! والمهاجمون على اختلاف مشاربهم لكنهم اتفقوا على حرب السيد السيستاني, في سعي حثيث لأبعاد الامة عن قيادتها الاصيلة, وقد بدأ الحرب حزب البعث في مطلع التسعينات! عبر بث الاشاعات مرة, واخرى عبر محاولات الاغتيال, وثالثة عبر محاصرة المرجعية, وكل وسائلهم فشلت في منع المرجعية الصالحة من اداء دورها, وكان الدور الاشد خبثاً هو حرب الاشاعات التي تصنع في معامل مختصة, بحيث يكون لها قبول عند الفئة غير الواعية, ونجد لليوم هناك من غير الواعين ممن يتمسك بإشاعات البعث! معتبرها في مصاف اليقينيات التي لا تقبل النقاش.

وبعد انقلاب امريكا على خادمها الذليل صدام في عام 2003, اصبحت الحرب ضد المرجعية الصالحة اشد واخطر.

حيث جاءت امريكا للعراق بمشروع خطير جدا, وهو تدمير المجتمع وتفتيت الارض واشعال الحروب, لكن وقفة المرجعية الصالحة افشلت تلك المشاريع, فدفعت بالصعاليك واحزاب النفاق لمحاولة النيل من المرجعية, عبر بيانات وتصريحات وكتابات اعلامية, لكن ثبت لكل العالم الحق واندحر اهل الباطل, وصمدت المرجعية الصالحة بوجه عاصفة اهل النفاق, من امريكا وادواتها والمنافقين المحليين وبعض الاعلام العربي.

وازداد حنق امريكا وذيولها واهل النفاق على السيد السيستاني, بعد نجاح فتوى المرجعية في الجهاد الكفائي, ورد العاصفة التكفيرية البعثية التي كان مخطط لها ان تبتلع العراق, فنشاهد بين فترة واخرى مقالات لعواهر الاعلام المحلي والعربي تسعى للتسقيط عبر التشبث بالكذب, او تخرصات لسفلة وصعاليك السياسة ممن ماتت ضمائرهم, وكلها تهدف النيل من المرجعية الصالحة, فمع ان بعضهم ضاع شرفه وافتضح امره, نجده لا يستحي من كيل الاتهامات للمرجعية الصالحة عبر اكاذيب يختلقها ويسوقها للجمهور.

وقد تخصص جيش الكتروني منحرف الغايات, من اهم مهامه الطعن بالمرجعية ووكلائها بهدف التسقيط, ولا يمر شهر الا ومنشور او صورة او تصريح هدفه الحط من مكانة المرجعية الصالحة, واتفقت جيوش السفارة الامريكية, وجيوش بقايا البعث, وجيوش المنافقين والرعاع: في هدفها وهو محاربة السيد السيستاني, لكن وعي الامة في ارتفاع, وهي تمحص ما يجري وتفهم اساليب الاعداء المنحطة, وتدرك حجم الحقد الذي يملئ قلوب بقايا البعث واهل النفاق من نجاحات المرجعية الصالحة واستمرارها في العطاء.

نسأل الله عز وجل ان يحفظ مرجعنا السيد السيستاني ويمد في عمره, وان يرد كيد الاعداء والمنافقين والرعاع, وان يفضحهم في الدنيا قبل الاخر.

الحاج ابو شاكر قد شارف ان يدخل عامه ال 66 وهو مازال يتنقل بين بيوت الايجار! فلا في زمن الطاغية صدام امتلك بيتاً, ولا في زمن الديمقراطية تغير حاله, ففي زمن احزاب السوء ازدادت محنة ابو شاكر والملايين امثاله, اصبحت قضية حفظ كرامة الانسان صعبة جدا, يقول ابو شاكر: " انا متيقن اني سأرحل عن هذه الدنيا وانا لا املك بيتاً, فبلدي بخل علينا بأبسط حقوقنا كمواطنين, بالأمس كان طاغية واليوم طغاة, لكني حزين على بناتي وزوجتي المريضة كيف سيعيشون من بعدي, في وطن يسحق الفقراء والبسطاء".

هكذا تم اغتصاب حقوق الملايين من اهل العراق في زمن صدام, ثم في زمن الاحزاب, والضحية واحدة وهي المواطن المسكين.

ما يجري في العراق من اهمال فضيع لازمة السكن, هو بفعل الكيانات السياسية الكبيرة التي اتفقت على اهمية اذلال الشعب والسير بنفس نهج الطاغية صدام في عدم حل مشكلة السكن, عندها تزدهر خزائن الساسة وتطول ايام حكمهم, وليذهب المواطن العراقي للجحيم, هكذا هي ارادتهم.

في حزيران من عام 1977 وبالتحديد في 31 ايار عقدت الامم المتحدة (مؤتمر فانكونو) بحضور 500 مندوب يمثلون كل بلدان العالم, وقد ركز المؤتمرون على كيفية التخطيط لنمو المدن والمراكز الصناعية والزراعية, وكيفية التغلب على ازمة السكن مستقبلا, وقاموا بدعوة الحكومات للاهتمام البالغ في قضية تأمين السكن لكل مواطن, مع توفير الخدمات والتجهيز الصحي والتربوي والرياضي والثقافي والمتنزهات.

من ذلك التاريخ عملت الحكومات الوطنية على وضع تخطيط لحماية المجتمعات من خطر ازمة السكن, وقد نجحوا في كسب المستقبل عبر تأمين السكن المناسب لكل مواطن, اما الدول التي يحكمها الشواذ والسفلة والمجانين فلم تهتم بموضوع ازمة السكن, لان حقوق الشعب هو اخر اهتماماتها, فالاهم عند الطغاة هو البقاء في كرسي الحكم حتى لو تم حرق البلاد.

ان السكن عنصر اساسي يحقق الاستقرار للمواطن ويحقق المواطنة, لذلك على الحكومة ان تولي هذه الازمة اهتماما خاصا تجد الحلول للازمة, لان حاليا العشوائيات تحولت الى بؤرة للسلوكيات الخاطئة! نتيجة غياب القانون في المكان والزمان, وتفشي ظاهرة السلطة للأقوى.

الحلول سهلة ومتيسرة وخلال اشهر قليلة سيحصل الفارق للمواطن, بشرط توفر ارادة وطنية نزيهة, وهنا تكمن اصل اشكالية تحقق الحل, فالسياسي الوطني النزيه الحازم من اين نأتي به والاحزاب لا تنتج الا قيحاً.

وهنا نذكر ثلاث خطوات للحل:

الخطوة الاولى: يجب من الان التخطيط بهدف انشاء مدن واحياء جديدة, تبنى وتوزع على المواطنين بالتقسيط من دون المطالبة بدفع مقدم كبير كما فعلوها مع مجمع البسماية, وتكون متاحة لأي مواطن عراقي مع ضرورة ابعاد الاحزاب عن هذه المشاريع, لأنها ستفسدها بما تحمل من مرض مزمن مرتبط باستمرار وجودها.

 

الخطوة الثانية: على الحكومة فتح الباب امام المستثمرين (العرب والاجانب), في الاتجاه للبناء العمودي في بغداد والمحافظات, بحيث تكون متاحة بيسر من دون المطالبة بدفع مقدم يكسر الظهر, كما الحال في مشروع البسماية.

 

الخطوة الثالثة: البلد يحتاج لمنظومة مترو تجعل من العراق قرية صغيرة, بحيث يمكن ان تسكن في اي مكان في العراق تبقى بنفس مكان العمل بفضل خطوط المترو التي تلغي المسافات, عندها تتوزع الناس على اطراف العراق بسبب توفر خطوط النقل السريعة جدا.

 

هي دعوة لمن هو وطني ونزيه وصاحب ارادة ويهتم بمحنة شعبه, عسى ان يتواجد في يوم قريب ويلبي الدعوة ويحقق حلم الملايين.

مازالت تلك الشجرة البهية تتساقط اوراقها, كانت اكثر جمالا باجتماع كل اوراقها, وها هي اليوم يبرز ضعفها بفقدان ورقة ناصعة, واحسبها الاشد نفعا لها, لكنها الاقدار التي لا تتغير بفقدان الاوراق المهمة, وبقاء الاوراق التي يعشعش فيها الدود.

في صيف عام 2017 انتقلت للعمل في كلية العلوم السياسية التابعة للجامعة المستنصرية, نعم كانت ايام صعبة جدا بسبب النفاق والمنافقين, وهناك وسط تلك الاجواء العجيبة, تعرفت على الانسان الخلوق ابو نور (صباح رحيم السوداني), الموظف النزيه والذي يعمل بجد في تنظيم سجلات الكلية, شاءت الاقدار ان اكون معه في نفس الشعبة لمدة شهرين, قبل ان انتقل للعمل في مكان اخر.

حدثني عن عشقه للمطالعة, وكيف انها امتزجت مع روحه مذ كان طفلا, حيث مجلات المزمار وكراسات الخط وكتب الكلمات المتقاطعة.

وبعدها مع تفتح الفكر كان الغوص في المجلات الاسبوعية والصحف اليومية, كزاد ثقافي معرفي يومي, وحدثني كيف كان لا يفوت يوم الاربعاء من دون الحصول على مجلة الف باء, مع ان الاعداد محدودة في المكتبة التي تقع قرب بيته, لكنه كان يصر على الحصول على العدد, فيبكر بالخروج كان لا يفوته العدد الاسبوعي, حتى تكون صداقة جميلة مع صاحب المكتبة الذي تنبه الى اهتمام "صباح" بالمجلات والكتب كباقي مثقفي تلك الفترة.

كان الليل عند "ابو نور" مناسبة يومية لقراءة الكتب, ولم يكن في نوع محدد بل هو يقرأ في الدين والعقيدة والسياسة, ويقرأ النتاج الروائي والادبي, حتى في السنوات الاخيرة وبسبب مرضه كان يصعب عليه النوم, فاتجه لمطالعة الكتب الالكترونية بشتى صنوف المعرفة, كنا في تلك الايام نتناقش طويلا حول ما نقرأ, وارسل له اهم ما وجدت من كتب, وكان يفرح كثيرا بهدية تمثل كتاب.

اعتبر "ابو نور" من اكثر الرجال صلابة وصاحب ارادة قوية, فمع عوق ساقه, لكنه كان مصمما على الاستمرار في الدراسة, حتى اخذ شهادة البكالوريوس من كلية الادارة والاقتصاد, كانت الحياة عنده عبارة عن كفاح لا ينتهي, فاستمر في ايام حكم نظام صدام يعاند ظروفه وظروف البلد العسيرة, لم يصبه اليأس, بل كافح وتحمل ما تحمل من ضغوطات نفسية حتى نجح اخيراً.

نعم كان مثل باقي الموظفين محدودي الدخل يعاني كثيرا, حيث يعيش في بيت للإيجار, ويحلم بان يحفظ كرامة عائلته في بيت ملك, ويحدثني طويلا عن ابنه نور الذي يخاف عليه كثيرا, ويتمنى ان يكبر بسرعة كي يكون سنده وعونه, بعد ان اشتد المرض عليه في السنوات الاخيرة.

ذات مرة كان يحدثني عن قصة اهتمامه بالحيوانات, من البلبل الذي اسماه (مروان) الى ذلك الديك العجيب الذي اهتم به ليصبح عظيم البنية يخيف كل من يراه, كانت طريقته بالسرد تشبه ما يكتبه الادباء, حتى ان من يستمع الى ابو نور فلن ينسى حلاوة حديثه.

اتصل بي (ابو نور) قبل شهرين وطلب مني ان اكتب كتابا حول الامام علي (ع), قال هنا قلمك يجب ان يبرز ويعطي كل قدرته, فوعدته ان احقق طلبه, ادعو الله عز وجل ان يوفقني لإنجاز هذا المشروع.

يوم الثلاثاء الماضي تفاجئت بخبر رحيل صديقي ابو نور, نتيجة تدهور حالته الصحية, رحم الله الانسان الرائع الذي كان يشع املاً اين ما حل, مع ما به من احزان, وادعو الله ذو الرحمة الواسعة ان يحفظ كرامة عائلة ابو نور.

الحديث عن بائعات الهوى المقربات من السلطة لا ينتهي, وهي ظاهرة لا يمكن اخفائها, حيث اصبح عدد من القوادات يتحكمن بمصير البلد! وبعض المومسات بأعلى الشهادات العلمية والامتيازات, كل شيء ممكن في بلد (الكلاوات)!  نعم في كل زمن تتواجد بيوت الدعارة, لتبيع لحظات الهوى بقدر معلوم, نتيجة خلل في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية للبلد.

عندما تتصل المومس بالساسة تصبح ذات خصوصية, بسبب تأثيرها على الساسة, وإمكانية خلق قرارات حسب رغبة بائعات الهوى ممن وقع في حبائلهن من ساسة ظرفاء, والتاريخ يحدثنا عن كثيرات من أمثال هند ام معاوية ودورها في دعم خط النفاق, والجارية الخيزران أم الخليفة هارون العباسي,  التي كان لها دور في مسار الحكم العباسي, أو عنان جارية الناطقي وعريب جارية المأمون, اللتان شغلتا المجتمع العباسي وسيطرتا على تفكير الخلفاء الأشاوس جدا, حيث كان لهما جزء من الخلافة العباسية الاسلامية!

التاريخ يذكر ان الجارية روكسلان في عاصمة الخلافة العثمانية, كانت سبب فتنة عظيمة لدورها المشبوه, إلى أن قامت بإضعاف الدولة العثمانية, ودفعت بنشوب حرب داخلية, هكذا هن الجواري قوتهن السياسية نذير انحطاط العروش.

شبكات الدعارة كان لها اثر في السياسة عبر التاريخ, بسبب انحراف الواصلين لمراكز القرار, فكان الأمويون والعباسيون وبعدهم العثمانيون, المحطات الأبرز تاريخيا, لاختلاط الدعارة بالسياسة, حيث أنتجت نجاح المؤامرات وولادة الفتن, مما دفعهم للاهتمام البالغ بالجواري, فعن طريقهن يتم الوصل بالساسة, وعن طريقهن تتم تصفية المنافسين.

وتحولت ثقافة استغلال النساء في تحقيق مكاسب سياسية الى منهج كل الاحزاب تنتهجها.

القواد هو : سمسار الفاحشة أو البغاء منظم شؤون امرأة البغي, اللحظة الأهم في حياة القواد هو نجاح بائعات الهوى في كسب قلب السياسي, يتحول معها (النخاس سابقا و القواد حاليا) إلى مركز مهم, نتيجة نجاح المومس التابعة له بالتسلق أكتاف الساسة, وهو ما يحصل اليوم عبر بنات الليل, حيث يتسلق الانتهازي المناصب العليا!

كانوا القوادين يهتمون بالجواري عبر تثقيفهن وتعليمهن الشعر والغناء والرقص وبعض العلوم لتكسب ود الساسة, إما اليوم فاخذ الأمر شكل أخر, فأما أن تكون إعلامية أو تشكيلية أو كاتبة أو شاعرة, بحسب مقتضيات التنوع, مع مصطلحات سياسية اكبر منها, لتكون خلطة القبول السياسي في زمن صعود أولاد النخاسة والتملق والنافق إلى مراكز القرار, فكان من الطبيعي إن تختلط الدعارة بالتملق, لتنتج كوادر حزبية تنتج فقط الهم والمصائب للعراق.  

احد الانتهازيين قام بتسخير بعض بنات الليل لمصالحه الخاصة, ليتقرب من ساسة الشهوات, فعمد إلى تنظيمهن في خلية سياسية حزبية جدا, إلى إن أضحت اليوم هذه المجموعة من نجوم الساحة السياسية, لهن الرأي وعلى بعض القادة الطاعة العمياء, في فلم عراقي مخجل , يمكن إن نطلق عليه عنوان زمن العار. 

وهكذا اليوم الأحزاب السياسية تزدهر بتواجد بائعات الهوى ضمن تنظيماتها, بسبب نظام الكوتا الذي فرض نسبة للنساء, مما أصبح أمر تواجدها في الأحزاب مهما للتنافس على الكوتا, وبالتالي صعودهن لقمم السياسة وتحكمهن بمصير البلد, بسبب كثرة النعاج السياسية.

نحن لسنا ضد النساء في دخول معترك السياسة, لكن استغلال الرجال لنوعية خاصة من النساء, لتسخيرها لشهواته وغاياته, وهذا النوع من النساء صعودهن نذير سقوط الدول.

سياسة نتنة كلها قًوٌاد ومومسات وساسة شواذ ومتملقين, أنتجت لنا بلداً يكاد يبتلعه حوت الفساد.