
محمد حسن الساعدي
ربما للوهلة الأولى يجد القارئ أن الأزمة بين الحكومة الاتحادية وبين حكومة إقليم كردستان لاحل لها،وأن الملفات بين الطرفين غلقت والمباحثات والنقاشات انتهت،وهذا ما تعكسه بعض الفضائيات والأقلام التي تحاول تخريب وتأزيم وتعكير أي علاقة بينهما،أو التشويش على انجاز الحكومة في هذا الملف الحساس والمهم.
بعد أكثر من خمسة أشهر على تشكيل حكومة السيد السوداني ربما يراهن البعض على إن الجمود السياسي قد يواجه الأخير، خصوصاً بعد الأزمة الأخيرة بين حكومته وبين إقليم كردستان،ما يهدد تقويض جهوده للاستقرار ولملة ميزانية الدولة التي بات المواطن العراقي بأمس الحاجة لها،حيث تعهد السيد السوداني بإصلاح الاقتصاد ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة المتدهورة ومكافحة الفقر والبطالة.
الحزبان الكرديان(الوطني- الديمقراطي) ومعهما من الأحزاب الإسلامية الأخرى شكلوا جزءً مهماً من أئتلاف إدارة الدولة والذي أستطاع بسرعة وحكمة من تشكيل حكومة السيد السوداني، ويمتلكون الجدية في حلحة الملفات العالقة بين كردستان وبغداد،وبما يخدم المصالح المشتركة للشعب العراقي بكل مكوناته، ما جعل ملف الخلافات يفتح من جديد،ولكن هذه المرة على أساس الشفافية والثقة والجدية في حل الأزمة والانتهاء منها،بعيداً عن لغة التخوين بين الطرفين،وبدون قيود من اجل إنهاء هذه الخلافات معتمدين في حلها على بنود الدستور والقوانين التي كفلها الدستور.
العلاقة الجادة والهادئة بين حكومة السوداني وإقليم كردستان من شانها أن تكون اللبنة الأولى في توثيق عرى الثقة بين الطرفين،والركون إلى الحوار الجاد،ومناقشة الملفات بروج الأخوة بعيداً عن التخوين أو الاتهامات المتبادلة،خصوصاً وأننا نتابع إن هناك وفوداً كبيرة ورسمية مهمة تأتي من الإقليم إلى بغداد وعقدت الكثير من الجلسات الحوارية والمناقشات المستفيضة من أجل الوصول إلى الحل النهائي لكل المشاكل العالقة بين الطرفين.
نجاح حكومة السيد السوداني مرهون بتماسك حكومته،والثقة المتبادلة بين القوى السياسية في أئتلاف إدارة الدولة، والذي هو الآخر جاد تماماً في إنجاح حكومة الأخير، وبما يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي،وتحقيق التعهدات التي تعهد بها السوداني أمام الإطار التنسيقى والقوى السياسية الأخرى المنضوية في أئتلاف إدارة الدولة.
أي خلاف أو نزاع بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان من شانه أن يوتر الأجواء السياسية،ويعكر العلاقة بينهما، وهذا ما تريده بعض الأطراف التي تراهن على فض التحالف الذي شكل حكومة السيد السوداني، لذلك أعتقد وكما يرى الكثير من المراقبين على جميع الأطراف في أئتلاف إدارة الدولة الانتهاء من هذه الخلافات والذهاب إلى تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد .
تعد مشكلة المياه من المصاعب الرئيسية للعراق, تماشيا مع كونها تحتل مكاناً بارزاً في صدارة المعضلات التي تواجهها الدول، فغالبا تكون السياسات التي تتبعها (دول المنبع) تؤدي إلى خلق الأزمات بين الدول المشتركة.. تركيا من الدول التي تنتهج سياسة القطع والتحكم, من خلال عدم السماح لمرور كميات كافية من المياه إلى سوريا والعراق، وعلى الرغم من أستحقاق العراق لكامل حصته المائية في نهري دجلة والفرات، بوصفهما نهريين دوليين يخضعان للقوانين الدولية, التي تحكم العلاقة بين الدول المتشاطئة والمطلة على الأنهار في ضمان حصتها من المياه.
من الأوضح أن تركيا تتصرّف, وكأن العراق ما زال في فترة الحرب في تسعينيات القرن الماضي، وكما لو أن "اتفاقية التعاون وأمن الحدود" لعام 1983، التي فتحت الطريق أمامها للقيام بالعمليات, ضد حزب العمال الكردستاني في الداخل العراقي ما زالت فاعلة.
شكّلت هذه الاتفاقية أرضية مشروعةً للعمليات ضد حزب العمال الكردستاني حينا، وكان قد تمّ توقيع بروتوكول أمني عام 1984 فتح الطريق أمام القوات التركية, لدخول الحدود العراقية إلى عمق خمسة كيلومترات.. فراهنت الحكومات التركية المتعاقبة على الخلافات الداخلية العراقية، ولا تزال سياستها تدور حول النفوذ الإقليمي وحول مسألة الموصل كركوك، وما يتصل بها من قضايا الحدود والنفط، وحول مسألة المياه.
تركيا التي تتحكم بالحصة المائية للعراق, لا يمكنها أن تتجه بهذا الاتجاه ما لم تكن مدفوعة من مصالحها الخفية، والتي ترتبط إلى حد كبير باستهداف العراق ومياهه،وأدت الى حرمانه من التمتع بكامل حقوقه من مياه النهرين، كما ان سياستها المائية لا تؤثر فقط في نصيب العراق من المياه من الناحية الكمية والنوعية فحسب، بل يمتد تأثيرها في تحديد السياسة المائية وتوجيهها لبقية الدولة الأخرى .
السياسة المائية التركية تجاه العراق زا\ت حدة, وبات لها تأثيرات سلبية كبيرة على الوضع المائي, وعمقت أزمة المياه فيه, بعد قيام الجانب التركي بإنشاء العديد من المشاريع الاروائية والسدود على نهري دجلة والفرات, لتحقيق مصالحها وخلق مشاريع تنموية في منطقة جنوب شرق الأناضول، واستخدام المياه كوسيلة ضغط سياسية مع العراق، مخترقة بذلك القواعد والقوانين الدولية المنظمة لحقوق الدول وحصصها المائية، إلى جانب مخالفتها لمبدأ عدم الإضرار بغيرها, من خلال استمرارها في أنشاء السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات, دون مراعاة لحقوق العراق المائية.
الاعتداء التركي على الحصة المائية للعراق، يجب أن تعده الحكومة العراقية عملا عدائياً, يستلزم اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة تجاهه.. وبما أن بغداد لن تستطيع تحشيد الجيوش على حدود تركيا كما فعلت في عام 1990 لأسباب عديدة ، إلا أنها تستطيع استخدام الملف الاقتصادي, الذي يشير إلى أن حجم التبادل التجاري يصل لأكثر من 20 مليار دولار, معظمها بضائع من تركيا عبر المنافذ الحدودية، وبالتالي أصبح العراق اكبر سوق للبضائع التركية في المنطقة, والتهديد بقطعها او في الأقل وضع ضرائب إضافية عليها, هو كورقة ضغط اقتصادية بالإضافة لتحريك الجانب الاممي عبر قناة الأمم المتحدة,لدفع أنقرة وثنيها عن التمادي في تجفيف العراق وقتل الحياة فيه.. وهي أدوات ضغط يمكنها أن تحقق لنا مكاسب في هذا الملف الحيوي.. وغيره.
بعد مرور أكثر من عاماً على اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، وإسقاط نظام صدام، والذي يُعد من أكثر الأنظمة الديكتاتورية فتكاً وهتكاً للحرمات وسفكاً لدماء شعبه، هناك إجماع على إن الحرب كانت خطأً فادحاً، وعلى الرغم من الإجماع والدعم الدولي،إلا إن عملية إسقاط النظام شابها الكثير من الأخطاء والمعوقات التي حالت دون بقاء النظام السياسي والدولة.
ما يعزز هذه القناعة هو حالة الفوضى التي سادت عملية إعادة بناء العملية السياسية في البلاد،وما شاب من عمليات الفساد الكبيرة التي رافقت عمليات الأعمار سواءً تلك التي كانت تحت رعاية الحاكم المدني"بول بريمر" أو التي كانت سبباً في بقاء عمليات الفساد المنظمة التي رافقت تشكيل الحكومات المتعاقبة، وما رافقها من قوانين واجتهادات لبريمر،والتي كانت من أهم أسباب بقاء عمليات السرقة المنظمة وهب المال العام من كبار الساسة الذين تربعوا على قيادة العراق،حتى وصل الحال إلى إن أغلب البنوك الإقليمية والدولية تعمل بالأموال العراقية المهربة إليها.
في عام 2003 قدّر البنك الدولي الناتج المحلي للعراق بحوالي 21.9 مليار دولار، في حين وصل الناتج المحلي في عام 2021 ما يقرب من 208 مليار دولار، وبذلك ارتفعت المقاييس للحياة في العراق وتنوعت،وعلى الرغم من الضربات التي وجهت للنظام السياسي بعد عام 2003، وما شابه من عمليات الفساد التي ضربت مؤسسات الدولة كافة،إلا إن هناك تحول ديمقراطي جيد وانتخابات تنافسية وليست كما يروج لها قبل عام 2003 والنتيجة تكون فيها محسومة .
الأمر الأكثر دهشة وعلى الرغم من قناعة واشنطن إن العراق أصبح تابعاً لطهران، ويعمل تحت رايتها وقراراتها،وخصوصاً بعد انسحاب القوت الأمريكية عام 2011 بأمر من الرئيس الأمريكي"باراك أوباما"، ولكن في نفس الوقت لم نرى أو نلمس هذا النفوذ في مراحل تشكيل أي حكومة، بل أن هناك دعماً ملموساً في أي حكومة تتشكل وموقفاً سياسياً رافضاً لأي أنقسامات في الداخل العراقي تتسبب في التدهور الأمني وعدم الاستقرار في الشارع الداخلي .
لقد أثبت السيد السوداني انه ليس يد إيران في العراق،وله موقفاً سياسياً وقرار مستقل من أي موقف إقليمي أو دولي، وينبغي للعراق أن يكون بلداً مستقلاً بعيداً من التدخلات التي تضر بمكوناته أكثر ما تقوي عنصر الثقة بينها، وعلى الرغم من ترشيحه من ق الإطار التنسيقي القريب من طهران، إلا انه يبدي حالة التوازن بين ما يخدم مصلحة العراق وشعبه ، وبين ما يكون سبباً في التهدئة في المنطقة عموماً من خلال رعاية العراق لطاولة الحوار بين الأطراف سواءً طهران ودول الخلي حاو طهران والولايات المتحدة .
حالة التوازن التي أعتمدها السيد السوداني في سياسته تجاه القضايا الخارجية أثمرت كثيراً في حالة الاستقرار السياسي في البلاد،على الرغم من ما ساد من فوضى قبيل تشكيل حكومته، إلا أنها تشكيل هذه الحكومة كان الأسرع منذ 2003 وخرجت هذه الحكومة بمخاض يسير جداً وبوقت قياسي، وان له موقفاً من بقاء القوات الأمريكية في البلاد، والذي ينبغي أن يكون للبرلمان الموقف الأساسي والرئيسي بعيداً عن أي ضغوط سياسية تمارس هنا أو هناك.
يبقى الخطر الأكبر والأبرز الذي يهدد الدولة العراقية هو الفساد المستشري الذي بدأ يضرب أركان الدولة المهمة ويصل إلى القيادات السياسية، والذي يعد احد الموروثات السلبية للتدخل الأمريكي في العراق،وساعد في تكوين طبقة من المليادريرية فيه،حيث تصل شهرياً ما بين مليار إلى ملياري دولار أموال من البنك الفيدرالي الأمريكي لدعمه في رواتب موظفيه، وتوفير رأس المال للمشاريع والاتفاقيات التجارية الخارجية، فتوفرت بيئة للفاسدين من سرقة المال والتلاعب به حتى وصل الحال إلى اختلاس مليارين ونصف المليار في صفقة وصفت بأنها الأقوى والأكثر فساداً في القرن الحالي.
يبقى شي مهم هي الخطوات التي تقوم بها حكومة السيد السوداني في أصلاح المنظومة السياسية والحكومية، وطرد الفاسدين،وإعادة الأموال المهربة إلى الخارج، وتقوية الاقتصاد، وغيرها من برنامج عمل تعهد به خلال فترة رئاسته للوزراء، ومدى قدرته على هذه التعهدات وسيبقى السؤال الأكثر جرأة في إمكانية حكومة السيد السوداني من الإطاحة بالرؤوس الكبيرة للفساد في وقت قياسي بعيداً عن الضغوط السياسية وأن الشعب العراقي ينتظر هذه الخطوات ليكمل طريقة وخلاصه معه.
باتت الأوضاع والأحداث في العالم مرتبطة ببعضها بشكل وثيق، فكل هذه الملفات يأثر الواحد بالآخر ويتآثر.. فالحرب في أي مكان ستلقي بتأثيرها على المشهد الاقتصادي للمنطقة وتحديداً العراق، ولا يقتصر هذا على المشهد الاقتصادي فحسب، بل تعداه الى الجانب السياسي، ولنا في تأثيرات الحرب الروسية- الأوكرانية خير دليل.. حيث بات من المهم ان نقرأ المشهد العراقي من زاوية(روسية-أوكرانية).. فما شهده بلدنا من متغيرات أقتصادية، بدأت بالتأثير عليه من خلال الارتفاع اللافت في أسعار النفط في العالم، وما تركه من تفاعل بالإيجاب على الوضع الاقتصادي للبلاد.
العراق من البلدان التي تؤثر وتتأثر بالمشهد ومتغيرات الدول، وبات العالم يستشعر حجم المازق الذي يعيش به بما يخص موارد الطاقة،لذلك ذهب الى ضرورة إيجاد منفذ ثاني لتغطية النقص الحاصل فيها،والعراق هو احد هذه المنافذ التي يُعتمد عليها في تزويد العالم بالنفط..
تبعا لما سبق صار لا بد أن يكون العراق مستقراً سياسياً واقتصادياً، ليصبح مؤهلاً لهذه المهمة.. لذلك عمدت الولايات المتحدة الامريكية لدعم إيجاد الاستقرار السياسي المناسب له، من خلال إيجاد الوسائل الضرورية لهذا الاستقرار، وتوفير البيئة الآمنة له.
البيئة العراقية من جهتها ربما تعد آمنة لدعم الاقتصاد العالمي بالنفط،إذا ما توفرت لها كل الوسائل الضرورية لهذا الاستقرار، عبر توفير القوانيين والتعليمات التي من شانها تذليل العقبات، وإزالة المعرقلات التي توثر على عمل الحكومة وتنفيذ برنامجها الحكومي،وإيجاد الاليات التي من شانها تسهيل عمل الحكومة.. هذا جعل حكومتنا في موضع مريح لكنه يتطلب ضرورة إستثمار هذه الفرصة الثمينة، التي أنتجتها ازمة الطاقة العالمية بعقد الاتفاقيات الاقتصادية مع هذه الدول، وفق مبدأ التوازن، وان تبنى هذه الاتفاقيات على أساس مصالح الشعب العراقي..
نقلت مصاذر ان الوفد الذي وصل الى العاصمة واشنطن برئاسة السيد فؤاد حسين، عازم على مواجهة الازمة الاقتصادية، وفق رؤية الحكومة العراقية ومصالح البلد، وليس على اساس ما تريده واشنطن من العراق، كما يحلول ان ينقل صورة مفادها، أن على واشنطن ان تنظر الى العراق كحليف وليس تابع.. وان له قرارا سياسيا نابعا من مصلحة هذا الشعب..
للعراق دوراً رئيسي ومهم في أن يكون المفاوض البديل، عن واشنطن في حواراته مع طهران، او حتى مع روسيا، وهذا يتيح ان تصبح بغداد طاولة حوار لهذا الخلاف،وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء.
حكومة السيد السوداني وكما يبدوا لحد الان، جادة في إيجاد الاصلاحات الضرورية لمعالجة الخلل في بنية الدولة،وتنفيذ الإجراءات الضرورية لتحسين الاداء الحكومي،بالاضافة الى ضرورة ان يكون هناك تفعيل لدور القضاء عبر ملاحقة مافيات الفساد وسراق المال العام..
بعكس ذلك ستبقى حكومة السيد السوداني ومن خلفها البلاد، رهينة الرغبات واجندات دول اخرى، وسياسات ومصالح تلك الدول،وستبقى عرضة للاسقاط بأي لحظة،لان تلك الدول تبحث عن مصالحها فقط.
اكتسبت رحلة وفد العراق، برئاسة وزير الخارجية السيد فؤاد حسين أهمية وحساسية تختلف عن سابقاتها..
فرغم أن هكذا زيارات تجري عادة، لمناقشة العلاقة بين بغداد وواشنطن، والقضايا المشتركة بين الجانبين،وأهمها الاتفاقية الإستراتجية بين الجانبين، والتي ترسم العلاقة بين الطرفين، لكن تزامنها مع الأزمة الاقتصادية الخطيرة، التي عصفت بالدينار وجعلته ينخفض، بصورة لافتة أمام الدولار، جعلها مهمة لمصلحة العراق واقتصاده..
الواقع أثبت أن بغداد ما زالت بحاجة إلى الدعم الأمريكي، في معالجة الاقتصاد الداخلي وأهمها تقوية الدينار العراقي، كما أن موارد العراق جميعها تقريبا، أمست بيد واشنطن خصوصاً، وأن العراق ما زال يخضع لقانون البنك الفيدرالي الأمريكي، وسياسة البنك الدولي، في آليات الحصول على الدولار، لتمشية أعمال الحكومة ومشاريعها وتغطية واردتها.
عملية التلاعب التي بدأت في "مزاد العملة" والذي بدأته الولايات المتحدة عام 2004 للسماح للمصارف العراقية بالوصول إلى الدولار وبأسعار تفضيلية، لتمويل المشاريع بالإضافة إلى السلع الواردة له،ويتم ذلك من خلال حساب عراقي، في بنك الاحتياط الفيدرالي ومقره نيويورك، ويتم من خلاله توجيه عائدات النفط.. لكن عمليات الفساد الكبيرة التي والتلاعب من خلال مافيات الفساد، وتهريب الأموال إلى دول الجوار، عبر شركات وأشخاص وهميين، في محاولة لتهديد الاقتصاد العراقي، جعل واشنطن والبنك الفيدرالي الأمريكي ينتبه لهذه العملية الخطيرة في تهريب العملة،ويحذر بغداد من هذه المافيات الخطيرة..
يقال في أروقة الاقتصاد السياسي، أنه ومنذ عام 2012 ما يصل إلى 80% من مبيعات المزاد بالدولار، كانت مرتبطة بصفقات غير قانونية، يتم تحويلها إلى الخارج!
عام 2015 قيدت واشنطن مؤقتاً، تدفق الدولار لإيقاف عمليات التحويل، ولكنها تراجعت عندما احتجت بغداد، ووافقت على إجراء بعض الإصلاحات التي وصفت بالتجميلية، على عمليات التحويل التي يقوم بها "سوق الأوراق المالية" وبسبب القلق المستمر من إمكانية وعدم الاستقرار في العراق، عمدت واشنطن إلى إلقاء الوضع الاقتصادي العراقي في أزمة كبيرة وخطيرة، من خلال إيقاف تدفق الدولار لبنكه المركزي، وإيقاف تمويل الواردات العراقية، وقننت هذه الواردات حتى وصلت إلى النصف.
يعتقد كما يرى كثير من المحللين السياسيين، أن البنك المركزي العراقي لديه الإمكانيات الجيدة، للسيطرة على عمليات التهريب المنظمة،وإجراء إصلاحات اقتصادية على سوق العملة،وملاحقة عمليات التهريب، التي تقوم بها عصابات الجريمة، عبر منافذ متعددة في العراق،ومكافحة غسيل الأموال.
حكومة السيد السوداني مطالبة اليوم، بإيجاد آليات عملية وحقيقية، لمعالجة ملف سعر صرف العملة، وربما هناك حلول قريبة كما يتداول, ولكنها لن تكون سريعة وآنية، وهذا طبيعي أمام المشاكل الكبيرة المتراكمة، فلا يمكن بأي مقاييس سياسية أو اقتصادية، أن يكون حلها سريعا.. وأي إجراء تقوم به الحكومة, لمعالجة هذا الملف وغيره, سيكون كفيلاً بالتغير الإيجابي نحو اقتصاد مستقر.
شهدت مرحلة تولي حكومة السيد السوداني الكثير من العقبات،والمعرقلات التي كانت احد أسباب بطئ الاجراءات التي تقوم بها الحكومة،فحالة الخلاف السياسي ما زالت دائرة بين القوى السياسية،فبعضها يقف عند إجراءات الحكومة في معالجة السلبيات في إدارة الدولة، والبعض الآخر يذهب الى طريقة تعاطي السيد السوداني مع هذه الملفات،ولكن بالمقابل وقفت مشاكل جمة امام حكومة السيد السوداني،وتركة ثقيلة من الحكومة السابقة،فالغت الكثير من القرارات والاجتهادات الشخصية التي قامت بها حكومة السيد الكاظمي،وتاخرت كثيراً في معالجة الكثير من الملفات السياسية والخدمية،إذ وبعد مرور مئة يوم على تشكيل الحكومة لم يتم معالجة ملفات مهمة وعدت الحكومة بمعالجتها.
ملف وجود القوت الامريكية من الملفات المهمة والحساسة،والتي دعمتها حكومة السوداني حيث عبرت عن موقفها المعلن لمهمة الولايات المتحدة والذي يبدو للقارئ انه تحول مفاجئ من بغداد، الا انه في نفس الوقت يعكس تحركاً ثابتاً نحو واشنطن في السنوات الاخيرة،كما ان القادة العسكريون انفسهم قد أقروا بضرورة تواجد هذه القوات،لذلك هذا الملف هو من الملفات التي حسمت من قبل مجلس النواب العراقي،وان أي قرار يتخذ من الضروري ان يكون من خلال نافذة مجلس النواب حصراً.
عمد السيد السوداني الى ان يكون نقطة توازن مهمة في العلاقات الخارجية،وتحديداً العراق مع محيطة الاقليمي والدولي،ويكون نقطة اللقاء بين القوى الخارجية المختلفة على الارض العراقية،فكان يبتعد عن المحاور لئلا يقع في مستنقع التصارع السياسي الدائر بين هذه القوى الخارجية وتحديداً(واشنطن-طهران) والتي تسعى بكل ثقلها بالمنطقة من اجل أضعاف الطرف الآخر،ولكن ما أثر على المنطقة عموماً وجعل واشنطن تعود الى وضع المدافع والمراقب،دخول الصراع الرسوي الاوكراني على خط الازمة العالمية،وأستشعار واشنطن بضرورة ان يكون هناك منفذ ثاني للطاقة في العالم،وان يكون مصدر هذه الطاقة هو العراق،لذلك بدأت واشنطن بالسماح لحلفائها بعقد الاتفاقات الاقتصادية مع بغداد ومنها (المانيا،فرنسا، وسنجد هناك اتفاقات أقتصادية مع آخرين).
من الضروري جداً ان يسعى العراق الى تبني مبدأ التوازن في علاقاته سواءً سياسياً أم أقتصادياً،وفق مبدأ وقانون"مصلحة العراق" وان تسعى حكومة السوداني الى الانفتاح السياسي والاقتصادي مع الجميع،وتحديداً الوضع الاقليمي الذي ينتظر من العراق صفحة جديدة ومتميزة بالعلاقات وتبادل المصالح وفي كافة الصعد.
العامل الدولي مؤثر جداً على المشهد السياسي والاقتصادي على حد سواء،وبات يدخل في المتغيرات على الارض،لان الواقع الاقتصادي يرتبط أرتباطاً وثيقاً بالواقع السياسي،لذلك نجد أن القوى الغربية تتحكم بالمشهد الاقتصادي بالعالم من خلال منظمات تراقب عمل وحركة الدولار في العالم وتراقب عمليات التهريب التي تمارسها بعض الجهات ومن ضمنها العراق،والذي أثرت عمليات التهريب الى دول الجوار الى أقتصاده، وأثرت بالسلب على قيمة الدينار امام الدولار،ما ساهم فعلاً في صعوده وتأثيره السلبي على حياة المواطن وقوته اليومي.
حكومة السيد السوداني مطالبة اليوم بإيجاد السبل الكفيلة والمهمة في معالجة التلكئ في ملف العلاقات الخارجية بين العراق ووضعه الاقليمي والدولي بالاضافة الى إيجاد ألية واضحة للملف الاقتصادي في البلاد،وربما نجد هناك حلول قريبة لهذا الملف ولكنها لن تكون سريعة وآنية، لذلك من الطبيعي أمام المشاكل التي تقف عائقاً امام حكومة السيد السوداني ان تنتظر الحلول البطئية،خصوصاً وأن التركة ثقيلة وكبيرة ، ولا يمكن باي مقاييس سياسية او حتى اقتصادية يمكن حلها بسرعة، لذلك أي إجراء تقوم به حكومة السوداني في معالجة هذا الملف سيكون كفيلاً بالتغير الايجابي نحو اقتصاد حر ومستقر في العراق.