محمد حسن الساعدي

محمد حسن الساعدي

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تاتي الانتخابات العراقية والتي من المؤمل ان تجرى في تشرين الثاني ٢٠٢١، وسط أجواء غاية في السخونة وزحمة الاحداث، التي القت بظلالها الى المشهد السياسي عموماً..

لا نخطيء إن قلنا أن هذه الانتخابات، من أهم الاحداث السياسية أن لم تكن الابرز، كونها تأتي في وضع حساس ومهم جداً، في المشهد السياسي الداخلي الداخلي، خصوصا مع ما يشهده من متغيرات وتذبذبات، جعلته يعيش عدم الاستقرار، فضلاً عن المؤثرات الاقليمية التي بالتأكيد تبقى عنصر مؤثر على المشهد السياسي والتي من شأنها أن تزيد من أهمية الانتخابات وتجعلها حدثا مهما يؤثر بشكل كبير على الوضع الداخلي والاقليمي والدولي كذلك، سيما وان هذه الانتخابات تأتي بعد الاحتجاجات في تشرين ٢٠١٩ ، إذًا كان من المقرر اجراءها في حزيران، وتم تأجيلها الى تشرين من العام الحالي، وما تركته هذه التظاهرات من آثار في نفوس الشعب العراقي .

الانتخابات تأتي في ظل خطوات مهمة قامت بها الحكومة العراقية، والتي من ابرزها تصويت البرلمان على القانون الانتخابي اجديد، وتوزيع المرشحين على الدوائر الانتخابية بشكل فردي، والانتهاء من تعيين مجلس جديد لمفوضية الانتخابات، وحل الاشكاليات التي رافقت تشكيل المحكمة الاتحادية، والاهم من ذلك كله التوافق بين القوى السياسية على حل مجلس النواب، وتحديد تاريخ حله قبيل إجراء الانتخابات في تشرين القادم..

رافق كل ذلك إكتمال للاجراءات الادارية والتنظيمية والفنية، والتوافق السياسي "المعلن" للاستعداد بخوض التجربة السادسة في تاريخ البلاد بعد عام ٢٠٠٣، الى جانب الجهود المهمة التي تقوم بها المفوضية، في تطوير الاجهزة البايومترية واجهزة العد والفرز الالكتروني المتطورة والتي تحد من التزوير والتلاعب، وتحديث سجلات الناخبين، والاتفاق مع كبرى الشركات الالمانية بهذا المجال، بالاضافة الى الاتفاق الذي اجري بين الحكومة العراقية والامم المتحدة، والذي ينص على وجود الامم المتحدة، كمراقب ومتابع للمشهد الانتخابي، وبما يحقق نجاحها بصورة شفافة ونزيهة .

هناك أحداث متوقعة في المشهد الانتخابي، اهمها التغيير المحتمل في شخوص المرشحين، وظهور دماء جديدة، قد تنعكس على المشهد السياسي القادم، وتجعله اكثر هدوءا، وتعمل على تخفيف الاحتقان السياسي في الشارع العراقي، الذي بدا متأثرا بأي خلاف أو أختلاف يظهر بين القوى السياسية،إضافة الى أن الاحتجاجات التي دخلت عامها الثالث، انعكست حركتها على المشهد، ما جعل القوى السياسية تنظر الى القوى التشرينية، كعنصر من المهم مشاركته في العملية السياسية، ومحاولة تخفيف حدة الاحتقان في الشارع الملتهب على خلفية المطالب المشروعة للشعب، مضافاً الى كونه يسوق ممثلاً للمتظاهرين السلميين .

الثابت في هذه الانتخابات، هو بقاء النظام السياسي دون تغيير، وانعكاسه على حياة المواطن العراقي، والذي ينظر بعين الامل لاي تغيير قادم في واقعه الاقتصادي والاجتماعي، لان هذا ما يهمه فعلاً..

فضلاً عن تجسير الثقة بين المواطن والدولة، وبما ينعكس بالايجاب على الشارع عموماً، والتي ما زالت لم تتغير، ولم يشعر المواطن بثقته بالنظام السياسي القائم، وبقاء الوضع الاقليمي الذي ينظر الى العراق كلاً من مصلحته، وهذا ما لم يتغير هو الاخر، ولن يتغير بدون تغير السياسة والمنهج السياسي، والانتقال الى النظام السياسي والدولة بعين الجدية، وإجراء التغييرات التي تتسق مع الدستور، وبما يحقق تغييراً على حياة المواطن..

هذا كله إن حصل ولو في جزء منه، سيدفع الوضع الاقليمي، لأن يتعامل مع  العراق، كدولة مستقلة صاحبة قرار سياسي مستقل .

 
 

ظهر في الاونة الاخيرة حديث، وفي وسائل الاعلام المختلفة، يتناول مفهومي الدولة واللادولة.. والصراع الدائر بين القوى التي تمثلها..

قد يبدو للوهلة الاولى أن المقصود من هذا التصنيف، هو حصر السلاح بيد الدولة،والذي دعت إليه القوى المؤيدة لمؤسساتها،وضرورة تحكمها وسيطرتها على القرار الامني والسياسي فيها.. وأستخدام قوى اللادولة للسلاح الحكومي وتحت غطاء الدولة والتلويح به، في الصراعات السياسية والتنافس الانتخابي..

لكي لاننساق خلف هذين المفهومين،وما يدور بينهما من صراع لاثبات كلاً لرأيه، ينبغي الوقوف على المقصود الحقيقي من هذين المفهومين.. فعندما نقف على تحليل مفهوم الدولة واللادولة، نجد أن هناك الكثير من الاحزاب، موجودة في جهاز الدولة عموماً، والقلة الذي أكتفى بوجوده رسمياً في الحشد الشعبي، والمقر دستورياً من قبل البرلمان، بوصفه جهازاً امنياً رسمياً تم تشكيله بعد سيطرة العصابات الداعشية على ثلث البلاد، لذلك صار يصعب التمييز بين هذين الطرفين، فاغلب القوى السياسية تمتلك السلاح، ولكن الوقائع على الارض هي من تتحدث عن فرضية الدولة واللادولة، والخطاب والافعال غير المنضبطة للعناصر المسلحة، التابعة لبعض القوى السياسية .

الاحداث تشير وبصورة واضحة الى معالم انقسام بين القوى الامنية، التي تمثل الدولة وبين القوى التي لا تمتثل للدولة وقرارها السياسي،ما يتطلب التركيز على ترسيخ مفهوم الدولة أمام غيرها، و إعادة صياغة مفهوم الشراكة بين مكونات المجتمع العراقي، وقطع الطريق أمام كل من يحاول تقويض مفهوم الدولة،ويعمل على عرقلة وتغييب المؤسسات الحكومية كافة على حساب قوى تعمل خارج اطار الدولة والقانون..

كما يجب أن يصاحب ما سبق السعي الجاد، لتقوية القوات الامنية وتأمين مزيد من السيطرة على الامن المجتمعي، ومنع الفوضى والسلاح المنفلت، والذي بات يهدد  المجتمع والاستقرار والسلم الاهلي، الى جانب تقوية الاجهزة الامنية، بكافة تشكيلاتها واعطائها الصلاحيات المنصوص عليها قانوناً، في حماية المواطن، وان ياخذ القضاء دوره الطبيعي، في ملاحقة المجرمين والمطلوبين للقضاء..

وهذا يتطلب تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، التي ينبغي لها أن تاخذ الدور الرئيسي والاساسي في تثبيت قواعد الامن والقانون في البلاد .

لازالت فكرة الدولة المدنية في العراق، تشهد الكثير من اللغط والنقاش الواسع، بل تحول النقاش فيها الى جدال حاد بين التيارات المدنية والإسلامية..

فقد عدها الإسلاميون خرقا لمتبنيات المجتمع المسلم، ومحاولة لتغيير أسلوبه وسلوكه، وتشويه عاداته وتقاليده، التي كانت بما يتسق والشرع المقدس..

فيما عدها المدنيون انفسهم، انها محاولة لانهاء دور حكم الاسلاميين، والذين يعتقدون أنهم فشلوا في تغيير الواقع بعد عام 2003، لذلك عمل الفريقان بكل قوتهم من أجل تحقيق طموحاتهم واهدافهم، وعلى الرغم من تاخر هذا المفهوم في العراق، إذ ظهر هذا المفهوم عموما في أدبيات العلوم السياسية، خلال الثلاث عقود الاخيرة سيما بعد ظهور موجة ما سمي بالربيع العربي، لذلك فانه بظهوره أثار الكثير من اللغط والتجاذب، وذلك لانه لم يتم تكيفه مع مجتمعاتنا عامة، وبما يتناسب مع الخصوصية الدينية والثقافية للمجتمع عموماً .

عرّف المختصون الدولة المدنية، بانها أتحاد افراد يعيشون في مجتمع، يخضع لمنظومة من القوانين، مع وجود فضاء يُرسي مبادئ العدالة في اطار عقد اجتماعي، تتوافق فيه إرادات جميع أو اغلب مكونات وقوى المجتمع، وتاتي هذه التسمية كون الانسان بطبعه مدنياً وبالتالي فان القواعد التي تنظم حياته وعلاقاته ستكون مدنية، وهو مفهوم أخذ به أرسطوا وأبن سينا وأبن خلدون ومونتسيكو وغيرهم .

تعمل الدولة المدنية على التمييز بين الحيز العام والخاص، وعدم خلط الدين بالسياسة، ولكن في نفس الوقت تحترم الاديان والمذاهب، مع عدم السماح باستغلال الدين لاغراض شخصية أو سياسية، تحاول استخدام الدين أو الرموز الدينية غطاءً لها، وتؤكد على احترامها لجميع الاديان وحق الانسان في ممارسة طقوسه بحرية كاملة، ودون قيود وهذا ما يحدده الدستور النافذ، وان العلاقة بين المواطن والدولة تعتمد الانتماء والعقلانية واحترام التراث والعادات والتقاليد المتوارثة، وهذا ما نحتاج النقاش فيه للوصول الى المشتركات ونجعلها قواعد مهمة للتفاهم والعمل بها والسير عليها .

أن السر الاساسي في تقييم علاقة المواطن بالدولة، ياتي من خلال المواطنة الحقة، والتي تستوعب كل هذا التنوع الآثني والمذهبي، وان تاخذ دورها في احتواء كل الخلافات على الارض، وتحفيز المشاركة او الممارسة السياسية وتعميق ثقافة التسامح وبكل مجالاته، والنظر الى الآخر بأنه"نظير لك في الخلق" وبما يعزز الثقة بين المواطنين من جانب وبين المواطن والدولة، ما يجعل الوعي الوطني يقف أمام كل الواجهات الطائفية والحزبية الضيقة..

الدولة المدنية يكون فيها النظام السياسي والدستور، اهم الاسس في الاستقرار بالبلاد، ويكون المجتمع فيها مبني على أساس الاخلاق، وياتي ذلك من خلال اعلاء صوت القانون واحترام التنوع بكافة انواعه .

أن من اهم مقومات النجاح والمفتاح الاساسي للمواطن، كي تستقيم علاقته بالدولة، هو العمل وفق مبدأ المواطنة والتي هي الحاضنة للتنوع الثقافي والديني، كما انها ستكون حافز للاداء والافكار الاخرى كي تاخذ المنحى نفسه من خلال تحفيز المشاركة السياسية، وتعميق التسامح بكل أنواعه، وبما يعزز الثقة بين المواطن والدولة، وبذلك سيكون للوعي دوراً مهماً وريادياً في بناء زنهضة الامة بشكل عام من خلال الالتزام بالواجبات الوطنية والمدنية في قبال أي افكار طائفية او حزبية ضيقة .

الدولة المدنية يكون فيها الدستور والنظام مصادر الأمان والاستقرار فيها، والتعاطي الايجابي بين مكونات المجتمع كافة، والتي تكون مبنية على اساس الاحترام المتبادل بين تلك المكونات، ويكون القانون هو الحكم والفيصل بينهم وبما يحقق العدالة والمساواة بين أفراده كافة، لذلك على الدولة أن ترتقي في تعاملها مع المواطن من خلال البحث عن مصادر رقيه وتطوره، من خلال تحسين وضعه المعاشي، ببناء نظام أقتصادي عادل وفاعل يضمن حقوق جميع المكونات، وكل ذلك ياتي من خلال محاربة الافكار الظالة التي تريد الشر بالمجتمع العراقي ومحاربة الجهل والتخلف الممنهج، الذي يريد بالمجتمع ان يكون أسيراً للعادات والتقاليد المستوردة، وتحويله الى مجتمع قاصر لايعرف مستقبله .

بدأت كثير من القوى السياسية تسرب، رغباتها المغلفة على شكل "تحليلات وتوقعات" بأن الانتخابات القادمة لن تجرى في موعدها المقرر..

تستند في هذا الرأي لمعطيات مهمة، تفرض نفسها في الواقع السياسي، وتجعله مقيدا في إجزاء اي انتخابات مبكرة.. وعلى الرغم من الاستعدادات المهمة والمبكرة، التي قامت بها حكومة الكاظمي والبرلمان، بداية من إعداد قانون المفوضية، ثم إنتخاب مجلس المفوضين ،  وصولا لإختيار أعضاء المحكمة الاتحادية العليا، وغيرها من الامور الفنية.. إلى جانب طلب الحكومة العراقية رسمياً، من الامم المتحدة التعاون في مجال مراقبة الانتخابات.. بالرغم من كل ما سبق، فهناك من يعتقد ان كل هذه الامور، ليست تأكيدا على ان الانتخابات ستجرى في موعدها المقرر.

هناك معوقات كبيرة وكثيرة في طريق اجراءها، ففي وقت سابق اعلنت القوى المدنية ومنها الحزب الشيوعي، تعليق مشاركتها في الانتخابات القادمة، عازية ذلك الى الفوضى السياسية وانتشار السلاح المنفلت، الى جانب استشراء ظاهرة المال الفاسد، الذي اخذ يغير في الخارطة السياسية في البلاد، ويعجل في دخوله في نفق مظلم لا نهايه له.

اصحاب مقولة ان الانتخابات يجب ان تجري، هم من يعتقدون بضرورة العمل لتأسيس الدولة، وينبغي البدء فعلاً بهذا الاجراء، بعد كثير من التلكوء والفشل والفساد المستشري، الذي ضرب جميع مفاصل الحكومة ومؤسساتها، ونهب ميزانياتها الانفجارية، التي لو صرفت بشكل صحيح وشفاف، لكان العراق في مقدمة الدولة المتطورة بالمنطقة..

الساعون لإجراء "الانتخابات المبكرة"يعتقدون ان هناك فرصة حقيقية لتأسيس الدولة، تقابلهم قوى لا تريد ان تفرض الدولة هيمنتها على مؤسسات الحكومة، وتسعى جاهدة لجعلها أسيرة، بيد القرارات الارتجالية والاجتهادات الحزبية، واجتماعات الغرف المظلمة "للدولة العميقة"

هذا جعلهم في غالبيتهم متخوفين من اجراء هذه الانتخابات، كونها تكشف الحجم لحقيقي لتلك المكونات، وتجعلها عرضة للازاحة من المشهد، الانتخابي والسياسي على حد سواء، وهذا ما شهدناه فعلاً في تراجع بعض المكونات السياسية، في حين تقدم أخرون ولو نسبيا.. لذلك ستلجا القوى التي تسعى، الى بقاء هذا الوضع على ما هو عليه، الى جعله ساكناً حتى نهاية الدورة الانتخابية، وهي بالتاكيد ترغب في الابقاء على مصالحها ونفوذها السياسي .

الوضع القادم وحسب المعطيات والمعلومات المتسربة هنا وهناك، فيه كثير من المشاكل والتعقيدات والتهديدات، خصوصاً مع بروز معلومات استخبارية، تفيد بوجود أجندات خارجية تسعى، لتخريب الوضع الداخلي في العراق ، وان المعركة القادمة ستكون في داخل المكونات "المذهب الواحد" وتحاول إدخال البلاد في صراعات داخلية، يكون المواطن حطبها ونارها المتقدة، ما سيدفع  بالبلاد نحو الهاوية والتقسيم..

تبعا لذلك فالانتخابات ستكون نقطة الانطلاق، نحو إنهاء كل الاجندات والمخططات الرامية الى ضرب العمق العراقي، وجعله يعيش حرب مكونات، والتي تسعى لتعزيز نفوذ القوى، التي لا تريد قيام دولة قوية تنهي دور السلاح المنفلت، وتضرب اصحاب المال السياسي وسارقي خيرات البلاد وقراره السياسي..

لا يمكن التكهن بما سيجري خلال الفترة القادمة، والايام التي تسبق الانتخابات، والتي ستشهد تصاعدا في وتيرة التراشق الاعلامي، والاستهداف للجميع من الجميع.. لذلك يجب على الحكومة العراقية الاستعداد امنياً، والضرب بيد من حديد على كل الخارجين على القانون، وضبط السلاح المنفلت وملاحقة العصابات الاجرامية، التي تهدد امن واستقرار البلاد، وان تكون هناك حملة ملاحقة رؤوس الفساد في البلاد، وتفكيك شبكات السرقة في الحكومة ومؤسساتها، والعمل الجاد من أجل توفير مناخ آمن للناخب العراقي وهو يدلوا بصوته لاختيار مستقبله القادم .

ربما يراهن البعض على أن إجراء الانتخابات المبكرة، والمزمع اجراءها في العاشر من تشرين الاول المقبل، ستكون فرصة مهمة للواقع السياسي برمته ورجالاته، وتمثل الفرصة الاخيرة بل الامل بالتغيير..

ربما هذا لا يعدو أن يكون إلا أماني وأحلام من الصعب تحقيقها، فالمشهد السياسي برمته لا يبشر بخير، فالنظام القائم فاشل وفاسد، وتتحكم به المقدرات السياسية والحزبية ،إضافة لوجود سلطة حكومية لا نخطيء، إن وصفناها بأنها أحيانا تكون كارتونية.. تتبع لقوة وسلطة هذا الحزب او ذاك ، وغارقة بالفساد والفقر والمديونية..

هذا ما أنعكس على الواقع الاقتصادي، مما تسبب بإجراء أقل ما يمكن أن يقال انه، فسح المجال للفاسدين ان يزدادوا فساداً بارتفاع سعر الدولار أمام الدينار العراقي، وهذا دفع لزيادة إنهاك المواطن العراقي، وجعله في دائرة العوز، والتراجع في تغطية احتياجاته الاساسية دائماً.

الانتخابات المبكرة لن تحقق تغير من الواقع بشكل كبير.. فالكتل السياسية والاحزاب عموماً هيمنت على الواقع السياسي، والاحزاب التي قارعت النظام الاستبدادي، وقدمت الكثير من التضحيات للخلاص منه، ها هي اليوم تقع في خطأ كبير وهو سوء الادارة وغياب التخطيط، وتفشي الفساد بين مؤسسات الحكومة، ما يعكس حالة الفشل والتخبط الذي تعاني منه هذه الاحزاب، وعدم قدرتها على التعاطي الايجابي مع متطلبات المجتمع العراقي وتوفير الخدمات، إضافة الى ان هذه الاحزاب فقدت مكانتها ومصداقيتها أمام الجمهور، والذي كان ينتظر ويعول كثيراً عليها، في أتخاذ القرارات الصائبة والتي تلبي طموحات الشعب في العيش بكرامة، وتجعله بلداً مستقلاً غير تابع لاي جهة او بلد، ويعمل وفق قراره السياسي ودستوره .

المعول على الانتخابات القادمة ان تفرز برلماناً مستقلاً ذو سلطة تراعي مصالح العراق ارضاً وشعباً، ويبتعد عن الاجندات الداخلية والخارجية، ويبعد العراق عن الصراعات الخارجية والذي جعلته ساحة حرباً بالنيابة عنها منذ عام ٢٠٠٣ والى يومنا الحاضر، الامر الذي يجعلنا أمام مخاوف حقيقية، من مدى تحقيق هذه الانتخابات لاهدافها في انتاج حكومة وطنية مستقلة، تكون بعيدة عن التاثير الحزبي والفئوي، وتعكس الاغلبية مهما كانت قوميتها او مذهبها، وتكون عراقية بامتياز .

الانتخابات القادمة وبحسب استقراء محللين سياسيين، أنها ستكون مسرحية جديدة لن تغير من واقع الامر الشيء الكثير، فالبلاد تعشعش فيه (الاجندات،الفساد،الصراعات) ومثل هذه المشاكل المعقدة لا يمكن ان تحل بين ليلة وضحاها، ما لم تاتي بنظام سياسي مختلف يستند لعقد جديد، لذلك الانتخابات التشريعية القادمة تواجه تحديات جدية، وربما تحول دون الاهداف التي يسعى إليها الكاظمي في ظل الفساد المستشري، والذي ينخر جسد الدولة العراقية، وربما سيحرم الكتل السياسية من ترتيب أوراقها او عقد صفقات بعد فوز الكتل التي ستتصدر المشهد السياسي، لذلك فهناك أعتقاد لدى الاوساط السياسية وتخوف جدي من خسارة متوقعة في هذه الانتخابات، كما ان من المتوقع أن تكون هناك مشاركة واسعة، خصوصاً من الشباب الذين يسعون، لتحقيق تغيير جذري في النظام السياسي من خلال الانتخابات، والذي قد يؤثر على نتائج الانتخابات ويجعلنا امام خارطة جديدة ونظام جديد..

لهذا كله ومن منطلق بناء واقع سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب العراقي ينبغي على الجميع المشاركة الفاعلة في ثورة الاصبع البنفسجي، وحرق الاستبداد والتسلط الاعمى للاحزاب الحاكمة، و التي تسعى من خلال صناديق الاقتراع، لتثبيت وترسيخ جذورها اكثر في البلاد، والسيطرة على مقدرات الشعب العراقي وسرقة مستقبله القادم .

 
 

مع انطلاق صفارات الانذار والسماء بدت مضيئة، وهي تنير طريق التهجد نحو هدفه، وكأن السماء ترحب بهذا التهجد لتجعله خطوطا عريضة في تاريخ السماء، ونقاط مضيئة في الارض..

تلك الصواريخ التي كانت ممتلئة بالدعاء والتهجد، وهي تتغنى بارواح الشهداء، الذين كانوا حلقات مضيئة في طريق التحرر، فما ان انطلقت تلك الصواريخ حتى هرعت الجرذان، لتجد لها جحراً تختبأ فيه ، حيث وجهت كتائب المقاومة ضربة صاروخية، دقيقة ومركزة الى العمق الاسرائيلي وتحديداً تل ابيب ومطار بن غوريون، وياتي ذلك رداً على استئناف الاحتلال قصف الابراج المدنية، واعترف الاحتلال بوقوع قتلى وجرحى وأضرار كبيرة، جراء دك صواريخ القسام على تل ابيب وبئر السبع والتي جاءت بصواريخ جديدة ومن “العيار الثقيل” حسب وصف الكتائب

حيث اطلقت الاخيرة أكثر من ألف صاروخ، استهدف مدن الاحتلال وصولاً الى الخضيرة شمالاً ، حيث استخدمت فيها صواريخ نوع SH85 إضافة الى صواريخ J90 وJ80وM75 ، فيما استهدفت صواريخ “سجيل” بئر السبع المحتلة ، فيما وجهت المقاومة الفلسطينية، ضربات صاروخية لمطار بن غوريون من نوع ” العطار ” واصابتها بشكل مباشر.. ياتي ذلك في اطار التصعيد الاسرائيلي، في استهدافه لبرج الجوهرة، الذي يضم عدداً من مقرات وكالات الانباء المحلية والدولية .

ان هذا الاستهداف والقصف المركز للكيان الصهيوني، وبهذه الكمية الكبيرة من الصواريخ ، يطلق عدة رسائل اهمها، أن المقاومة الفلسطينية، ليست المقاومة قبل سنوات، وكانت لغتها الحجارة قبالة الدبابة، ولكن اليوم الصواريخ العابرة هي من تتحدث، وهي من تحسم الموقف ، إضافة الى انها كشف عورة الكيان الصهيوني، وضعف قدرته علي التصدي لاي هجوم من قبل المقاومة، الى جانب ذلك كله فان القصف المركز لصواريخ القسام، يفند أكذوبة “اسرائيل القوية” والتي اصبحت اكبر قوة في الشرق الاوسط، بفضل الدعم الامريكي والقوى الغربية، التي جعلت من الكيان الغاصب دولة ذات سيادة، ومهدت للحكام العرب “الخونة ” الطريق امام التطبيع معه، ما يعني ان كل هذه الاساليب في التعاطي مع تل ابيب، اصبح أضحوكة العصر امام قوة الضربات الصاروخية، التي نشرت الرعب والخوف في الشارع الصهيوني.

هذا الدرس البطولي اعطى دعماً معنوياً، للمقاومة الفلسطينية خصوصاً ، وعموم المقاومة في المنطقة، وبين ان منطق السكوت والخنوع، لن يولد سوى الخنوع اكثر وكسر الارادات ، وسرقة الحريات وقتل الشعوب ببطئ ، وهذا ما يعني اسكات اي صوت ينادي بالحرية للشعب الفلسطيني، وعودة ارضه المغتصبة ، لذلك فان الاسلوب الجديد في التعاطي مع الكيان الغاصب، سيعطي مردودات كبيرة ومهمة، على المدى القريب وليس البعيد فقط، بل سيجعل هذا الكيان يعيد حساباته كلها، في التعامل مع المقاومة سواءً في لبنان وفلسطين وسوريا، ويجعل محور المقاومة ككل رقماً صعباً، في الوقوف بوجه المخططات الرامية الى تمزيقه، وابعاده عن جمهوره والذي يجد فيه المتنفس، للخلاص من العبودية الى التحرر .

سوف لن تكون الاخيرة والقادم اكبر واقوى، مما تتصور اسرائيل وكيانها الغاصب، وستسقط كل التكنولوجيا الصهيونية امام عزم واصرار المقاومة، كما ان هناك رداً لم ياتي بعد من المقاومة اللبنانية والتي وعدت بالثأر لكل الشهداء بدءً من شهداء النصر، وصولا لأخر قطرة دم سقطت، من اجل حرية الشعوب وخلاصها من الهيمنة الكارتونية، للكيان الصهيوني الغاصب والذي سيجد نفسه سجيناً، في جحور الاختباء ويفقد قدرته على التصدي لنار وقوة المتهجدين .