
سلام محمد العامري
عمد نظام صدام منذ خطفه الحكم, على تشويه الحقائق للتغطية على جرائمه, وقد عرف بتصفية أقطاب حزب البعث, وقد اتهمهم بالتآمر على الحكم, للتخلص منهم, كي يصل لمآربه الخبيثة, أما مع الشعب العراقي, الذي كان يخافه أيما خوف, فقد عمل على إلهائه بالحروب, كي يأمن ثورته.
الإجرام والتغطية عليه ليس صعباً, على بعض الحُكام, فباسم الشعب من الممكن إصدار القوانين, التي تبيح للمُجرم فعلته, التي تحقق الهدف, كان صدام حسين يهدف للتوسع, وان يكون القائد الأوحد, والأقوى في المنطقة بدلاً من شاه إيران؛ محمد رضا بهلوي الذي, أطلق وهب لنفسه لقب ملك الملوك, مدعوماُ من أمريكا وبريطانيا, لحماية مصالهم في المنطقة, والذي انتهى حكمه, بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
عام 1980 وفي شهر أيلول, قام الجيش العراقي, بأمرٍ من صدام بحربه على إيران, مُمهداً لشرعنة حربه, بالتوسع للجمهورية الإسلامية, على حساب العراق, واستيلائها على أراضٍ عراقية, في جلسة ما يسمى( المجلس الوطني) ناقضاً للإتفاقية التي عقدها, مع شاه إيران, عام 1975 من طرف واحد, ليطلب بعد شهر إيقاف الحرب, بعد أن احتل بعض المدن الحدودية, إلا أن الحكومة الإيرانية, رفضت ذلك الطلب, إلا إذا انسحب العراق للحدود الدولية, وتعويضها عن الأضرار, التي أصابتها جراء ذلك الاعتداء, لتستمر الحرب ثمانية أعوام, تكبد فيها البلدان, الكثير من الخسائر البشرية والمادية.
مضت سنتان بعد الحرب الإيرانية, ليتفاجأ العالم بدخول حرب أخرى, وهذه المرة اجتاح إمارة الكويت بالكامل, في الساعة الرابعة فجراً, من يوم 11 محرم عام 1411, المصادف 2/8/1990, لتتشكل حكومة صورية, برئاسة العقيد علاء حسين يوم 4/8, على أنه انقلاب داخلي, ليعلن العراق يوم 9/8/1990, ضم الكويت للعراق, وجعلها المحافظة 19, باعتبارها دولة مقتطعة من الأراضي العراقية, مع أن للكويت سفارة في العراق, وسفارة عراقية بالكويت, متصوراً أن شرعنة ذلك الغزو, ستعطيه الشرعية بالبقاء محتفظاً بالكويت, متبجحاً بالقوة العسكرية التي يمتلكها العراق؛ متصوراً أن باستطاعته تحدي كل العالم.
جهودٌ عربية وإقليمية ودولية, بذلت لإقناع صدام بالانسحاب, والتفاوض دبلوماسياً, حول الخلافات التي تذرع بها الطاغية, إلا أنها لم تفلح وفشلت بالكامل, ليتخذ مجلس الأمن الدولي, القرار 661 القاضي بفرض الحصار الاقتصادي, يوم 6/8/1990 كورقة ضغط, على العراق وانسحابه من الكويت, إلا أن العناد الصدامي, وتشبثه بما قام به, واستخفافه بالقرار الدولي, أدى إلى تُجيش امريكا جيوشاً, عربة ودولية لإخراج العراق بالقوة, وعبثاً حاول بعدها الخروج وإيقاف الحرب, إلى أن تم تحطيم القوة العسكرية, وهدم البنى التحتية, والتضحية بالأرواح نتيجة عنجهيته.
بعد يومٍ واحد من إعلان بوش الابن؛ إيقاف الحرب على العراق, وفي حالة الاضطراب الأمني, انطلقت في البصرة الانتفاضة الشعبانية, لتزامنها مع شهر شعبان, لتنشر بسرعة أربكت النظام الصدامي, فهرب كل الرفاق من فرقهم وبيوتهم, امام جموع الشعب المنتفض, هائمين على وجوههم, لبس قسم منهم عباءة زوجته, للخلاص من أيدي المنتفضين, لتمتد الانتفاضة العارمة, الى محافظات الناصرية والعمارة وواسط, والى السماوة والديوانية والنجف وكربلاء والحلة, حتى وصلت لأطراف بغداد, إضافة الى لقيام الانتفاضة, في شمال العراق.
بالنظر لدخول الجناح العسكري, للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية, الذي يقوده زعيم المعارضة حينها, السيد محمـد باقر الحكيم قدس سره, استشعرت دول الخليج, وعلى رأسها المملكة السعودية الخطر, لخوفها من انضمام جنوب العراق ووسطه, للجمهورية الاسلامية في ايران, ليشكل ذلك خطراً على مصالحها, فأقنعت أمريكا بفسح المجال لنظام صدام؛ لقمع الانتفاضة والقضاء عليها, سامحة له باستعمال الطائرات المروحية, والمدفعية والدبابات والصواريخ, وكافة الأسلحة المتوسطة والخفيفة.
أثناء تلك الفترة قام نظام صدام, من خلال أجهزته وجلاوزته المجرمين, باختراق صفوف المنتفضين, ليدخل مجاميع للتصوير, وإجراء اللقاءات على أنهم محطات فضائية, ليصور مكامن الضعف, وبعد أن عجز عن الاجتياح, للمحافظات المنتفضة قام برشقات من الراجمات, على محافظة النجف وكربلاء, ناهيك عن القذائف المدفعية, واستهدف من خلالها المراقد المقدسة, بتلك المحافظتين وقتل الكثير, إضافة لحملات الاعتقال, التي طالت حتى العلماء, ومن ضمنهم السيد علي السيستاني.
لم تقتصر إعمال صدام, أثناء قمع الانتفاضة الشعبانية, على القتل والتعذيب والترويع, بل استعمل آلته الإعلامية, بتشويه الانتفاضة من خلال, بث الأكاذيب ومنها, أنهم إيرانيون أتو للثأر من العراقيين, بينما الحقيقة هي, عدم مشاركة أي قوة ايرانية فيها, وكذلك قام بعض المندسين, من وكلاء الأمن والرفاق, بحرق الدوائر والمؤسسات الحكومية, وإلصاق التهم بأبناء الشعب المعارضين, ووصفهم بالغوغائية.
لقد كانت نتيجة الضحايا, في الانتفاضة الشعبانية, 9500 شهيد وأسر 13 من المدنيين, والآلاف من الذين استطاعوا, اللجوء الى رفحاء في السعودية, ليهاجروا بعدها لدول عدة, في أصقاع العالم, جزءٌ قليل من هاجروا, إلى جمهورية ايران الإسلامية, والأغلبية تشتتوا في كندا, والولايات الأمريكية واستراليا وغيرها, من الدول.
تلك كانت صفحة من صفحات الجهاد, ضد أعتى نظام إجرامي, حكم العراق لخمسة وثلاثون عاماً, صفحة مشرفة للشعب العراقي للمجاهدين, والصابرين ممن بقوا تحت المطرقة والسندان, فما بين الحصار والسجون والخوف دروساً وعِبر؛ يجب أن لا تنساها الأجيال.
الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة, وينظم السلطات العامة فيها, من حيث التكوين والاختصاص, والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة, والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات, ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
عندما نقرأ الدستور العراقي الدائم, نَجده دستوراً يمتاز بالرقي, من حيث تنظيم الحياة الاجتماعية, وقد أصبح بعد موافقة الشعب عليه, عقداً موجباً للتطبيق من قبل الحكومة, وتجاوزه يعني الإخلال بالنظام السياسي والاجتماعي, فهل طبق الساسة المتصدون للحكم بنود العقد؟
جاء في المادة الأولى أن " جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة, مستقلة ذات سيادة كاملة, نظام الحكم فيها, جمهوريٌ نيابي ( برلماني)ديموقراطي, وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" وهنا نرى أن بصمة المحتل مفقودة, إذا لا يمكن للمستعمر, أن يضع مادة تعترف بسيادة دولة, قد صمم أن تكون ضمن ممتلكاته, خارجة عن سيادة المحتل وسلطته, وهذا يقع على عاتق الحكومة, التي يجب على استقلالية العراق.
لم يهمل أو يتناسى من كتب الدستور, الإرهاب وما يوجب الحيلولة, دون ممارسته نشاطه, إضافة لنبذ العنصرية ومن يروج لها, وغيرها مما جاء في المادة السابعة" يحظر كل كيان أو نهجٍ, يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير, أو التطهير الطائفي أو يحرض, أو يمهد أو يمجد, أو يروج أو يبرر له, وبخاصةٍ البعث الصدامي في العراق ورموزه, وتحت أي مسمىً كان, ولا يجوز أن يكون ذلك, ضمن التعددية السياسية في العراق, على أن يُنظم ذلك بقانون" جَميلٌ جداً أن يكون ذلك, ولكننا نرى كثيرا من الساسة وكياناتهم, قد خالفوا الدستور دون حساب, ودخول المشمولين بهذه المادة وقانونها, قد أباح لتلك الفئات, فرض إرادتها بشكل واسع, وقد تسنم بعضهم مناصب عدة, تحت مقولة السياسية رمال متحركة! جعلت من العملية السياسية, متأرجحة قابلة للسقوط في أي لحظة.
غض الشعب النظر, عن بعض الهفوات أملاً منه, في إصلاح الحال فكل الدساتير قابلة للتعديل, إلا أن ذلك الدستور, لم يتم تطبيقه بصورة حقيقية, وذلك لضعف الأداء البرلماني الحكومي, على حَدٍ سواء, حتى وصل لتعطيل مواد, تخص معيشة المواطن العراقي وحفظ كرامته, لقد جاء في المادة 14, إن "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي" بيد أن التطبيق على الواقع, فرض قوانين بامتيازات, أطلق عليها مصطلح (خاصة), ما حرم الأغلبية من الشعب, من حقوق العيش بكرامة, وهَدرٌ بالمال العام وتفشي الفساد, وتعطيل المادة 16 التي تنص على" تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ, الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك" ما جعل من المندسين بالعملية السياسية, يغتنمون الفرص لإثارة الفوضى, بالمطالبة والتحشيد ضد الحكومات المتعاقبة.
توفير الأمن والسلم المجتمعي, وكسر جماح الفساد, منوطٌ بما يتم تقديمه المواطن, وسد الثغرات الذي تدغدغ عواطفه, وتجعله يُثارُ في أي لحظة, من قبل الفاسدين والمتصيدين بالماء العكر, وهذا ما لمسناه في مناسبات متعددة, جاء في صلاحيات ومهام رئيس الجمهورية, المادة 70 "ثامناً :ـ المصادقة على احكام الاعدام, التي تصدرها المحاكم المختصة" في حين أن ذلك لم يطبق إلا نادراً, فيما يخص قضايا الإرهاب, وخصوصاً من المنتمين, لتنظيم القاعدة وداعش, حيث يقبع الآلاف منهم في السجون, ما يتسبب بالكثير من هدر المال, وتفشي الفساد المالي.
لا يريد العراقيون إلا بالعيش الكريم, وتطبيق العدالة بمحاسبة الفاسدين, وحفظ كرامتهم بعد معاناتهم, من الحكم الدكتاتوري الصدامي, الذي لم يدع للعراقيين كرامة, حيث نبذهم أكثر الشعوب, ونخص الجارة منها, لكثرة الاعتداءات عليها, ما جعلهم يشترطون شروطا, لتشبث حزب البعث بالسلطة, وتنازل العراق عن بعض مساحاته, وفقدان السيادة الوطنية, فهل سيتم تحقيق ما يصبوا له العراقيون؛ بالحرية وعدم تَحَكم الطامعين, وإعادة الأراضي الموهوبة, من قبل نظام صدام من غير حق؟
بعد توقف عن اجراء انتخابات مجالس المحافظات؛ يعمل البرلمان على إعادتها للحياة, بدورة جديدة قد تجري العام القادم, فهل سينجح بسن قانون عادل, لكافة ممثلي الشعب, والبدء بمرحلة جديدة, من تقديم الخدمات, دون فساد وهدر بالمال العام؟ بمشاريع عمرانية وخدمية, يلمس المواطن من خلالها, أن العمل الحكومي جادٌ بالتغيير.
يعيش العراق منذ عام 2003, في فوضى سياسية بالرغم من, سن دستور دائم, إضافة لحالة أمنية متردية, وتدخلات إقليمية ودولية, تقف ضد تقديم ما يمكن توفيره, للمواطن العراقي الذي يطمح للعيش بكرامة, في بلدٍ آمن يمتلك من المقومات, التي قل ما نجدها, في دول العالم الثالث.
صراعاتٌ سياسية تسود العراق, بعد كل انتخابات برلمانية, لعدم التزام أغلب المتصدين للحكم, وعودٌ يقطعها المرشحون على أنفسهم, سرعان ما تتبخر في صحراء الوفاء, فلا اتفاق حقيقي بين الشركاء, واقعٌ أمر من سابقه, فمن كان يأمل بالحصول على حريته, وكرامته وحقوقه الطبيعية كمواطن, أصبح يستجدي ما كان يحلم به, فلا حريةٌ حقيقية, بل انفلاتٌ بكل ما للكلمة من معنى.
بعد تفاقم الأزمات في ظل طوفان الفساد؛ الذي اجتاح العراق, بكل مفاصل الحكومات المتعاقبة, ظهرت الحاجة للتغيير, وترميم التصدعات السياسية, التي لم يبقى منها حسب الظاهر, مجرد هيكل آيل للسقوط, لقد نخرته دودة غريبة, متطفلون على السياسة هَمُهُم الإثراء, على حساب المواطن وخدمته, فلا رقيب ولا حسيب, وإن وجِد الرقيب, فسرعان ما يصيبه داء الفساد, أو الركون للصمت, خلافاتٌ جانبية كان من الممكن تلافيها, ولكن عدم المبالات, والانشغال بما حصل عليه المُتصدون, من امتيازات خاصة, جعلهم يغضون الطرف عن نتائج أعمالهم.
عاش العراق خلال عشرون عاماً, ما بين الفقر والبطالة, وفقدان التخطيط والإدارة, حتى ساد جواب العراقي عندما يُسأل" كيف حالك وكيف لم تمت" يكون الجواب سريعاً "هل أنا حي؟ لقد أصبح الشعب لا يشعر بالحياة, فهو ميتٌ بصورة حي, فقد الأمل لعودة الحياة لبلده, صورة قاتمة ونفق حالك الظلام, فقد تبددت كل الأحلام, الاستقرار السياسي مفقود, المال سائب فهو يُصرف دون ضوابط, والنزاهة ما مكبلة بقيود الفساد, ودولة تُحكم حسب الاجتهاد, والفاسد يصطاد والمواطن, لا يحصل على حبةٍ من الحصاد.
الشعب يكابد والفساد لا يرتد, صراعٌ ليس لَهُ إلا الواحد الأحد, وجناة سائبون لا رادع لهم, إلا الفرد الصمد, وكلما حاول الشرفاء, من الساسة إيقاف العَمَد, بمقترحٍ أو مشروعٍ سرعان يتبدد, فالأرض بور تحتاج لإصلاح, ريح الفساد قد ساد وفاح, ولا منفذ لتغيير الرياح, ليصبح حال الشعب, كسجين لا يحلم بإطلاق السراح, فهو بين فكي الفساد والفشل, ليس له غير البكاء النياح, يعيش في ظلام دامس ينتظر الصباح, بعد جهدٍ جهيد تشكلت حكومةٌ, ولكن بحر الفساد يحتاج لسَباح, صارم بالتصدي والاجتياح ولا يهاب الرياح.
وأخيراً بدى بصيص النور الذي, كان مخفياً في الصدور, فالحرب على الفساد قد لاح, وبدأ تسطير السطور, وضرب الفساد بالساطور, الذي أدخل المتصيدين في الجحور, وتوالت الأخبار لتعيد أمل الازدهار, فقد انكشفت بعض الأستار, ليتهاوى بعض الفاسدين كالأحجار, وأعطى الرئيس للمحافظين الإنذار, شهر واحد للتقييم, وتنبيه للسادة الوزراء, وعلى صعيد البرلمان, نرى الصراع على أشده, فانشطار في جانب, ونقاش حاد بين جهات أخرى, وموازنة معطلة وتأجيلٌ مستمر.
الخدمات الموعودة لم ترقى, إلى مستوى الطموح, وقد انتهى ربع العام, قوانين معطلة مكدسة في أدراج البرلمان, عدم سيطرة على أسعار السوق, فالمتلاعبين من المضاربين والمهربين, لا يزالوا يعملون, والمواطنون حائرون, ما بين الأمل وفقدانه شعرة, فالتظاهرات قد تنشد في أي لحظة, فهل للفاسدين من توبه؟
الإعلام الرسمي يعرض صباح كل يوم, الغريب فيه مالم يعتد عليه الشعب, يطرح المواطنون قضاياهم, ليتم الاتصال بالمسؤول المختص, أو رئيس مجلس الوزراء, ليتم تنفيذ الطلبات هاتفيا بالمباشر, أو بإعطاء موعد, إن كان الأمر يحتاج حضور المواطن, ومع أن ذلك ليس هو الحل الناجع؛ لكنه يزيد من الأمل, في تصحيح مسار الإصلاح وخدمة المواطن.
فهل سنرى قانوناً جديداً لمجالس المحافظات؟ أم أن دربكة ستحصل, في ظل مشاورات الصلح, التي تجري بحذر مع الساسة المخاصمين؟ وإن تنجح المساعي, فهل سيتكلم المتصيدون بالماء العكر, باسم الشعب ليغشوه كعادتهم, أن لا أمل في التغيير؟
واسط تلك المحافظة التي تعد من المدن الثرية بأراضيها الزراعية, فقدت جزءاً من شبكتها الإروائية, وتحتوي عدة مصانع وأهمها شركة النسيج القطني, الذي تحتاج لتأهيل وتطوير يتماشى مع النهضة الصناعية العالمية.
طَرح السيد عمار الحكيم زعيم تيار الحِكمة الوطني, أثناء زيارته مؤخراً لمحافظة واسط, مشروع واسط محافظة المستقبل, سعياً للنهوض بواقعها الزراعي والصناعي والنفطي, والمطالبة باستحقاقها المالي, وبنسبة )10%) من موارد أنتاج النفط؛ في المحافظة ولمدة 10 سنوات تخصص الى ميزانية المحافظة.
إن العمل على اكتشاف حقولاً نفطية أخرى غير حقلي الأحدب وبدرة النفطيين, يجعل من محافظة واسط رافداً جيداً للميزانية تستطيع من خلاله تنفيذ مشاريعها الخدمية, وتطوير ما يمكن تطويره دون الاعتماد على الحكومة الاتحادية، ومن تلك الاحتياجات, إنشاء مصفىً للنفط.
محافظة واسط لا زالت تفتقد لطريق سريع يربطها بمحافظة ميسان, وذلك للزحام على الطريق القديم, والذي تسير عليه يومياً, آلاف عجلات النقل الثقيلة, والذي أصبح خطراً على أرواح, المارين من خلاله إضافة لعدم تأهيله, إلا بعد تكاثر الحوادث لتهالكه.
محافظات العراق بحاجة لمدن سكنية حديثة, في بلدنا الزاخر بالثروات الكبيرة, وخدمةً لشعبنا ومحافظة واسط من ضمنها, بحاجة لأحياء حديثة بتصاميمها, أطلق عليها حي سعيد, ومشروع إرواء الجزيرة حيث يتم زراعة مليون دونم من اراضي الجزيرة، والاسراع بتنفيذ مشروع اواسط دجلة لاستصلاح الاراضي.
تلك المشاريع وغيرها, تم طرحها من خلال زيارة واحدة, لسماحة السيد عمار الحكيم, في زيارته لمحافظة واسط, سعياً لتنفيذها..
الرجل يهمه هل يتم تنفيذها, عن طريقه أو عن طريق أي كتلة, ومن مفاخر الحكيم, أنه يطرح المشاريع في أوقاتٍ عدة, غير معتمد فيها, على قرب الدعايات الانتخابية.
تعرض العراق بأزمة سياسية, بعد انتهاء الانتخابات المبكرة, أدت لانسداد سياسي, لتكون النتيجة تأخر تشكيل الحكومة, واستقالة كافة أعضاء التيار الصدري, بسبب عدم تمكنهم من الحصول, على العدد الكافي برلمانياً, للتصويت على رئيس الجمهورية, مع رفضٍ باتٍ للحوار, مع قوى الإطار التنسيقي.
كان لتغيير قانون الانتخابات المبكرة, الأثر الكبير الذي تم سنه, حسب الدوائر المتعددة, وبغض النظر عن شبهات التزوير, حيث اعتماده على الكثافة السكانية, ألتي لا يمكن على الحصول عليها, من قبل الأحزاب, وكانت الحصة الأكبر للتيار الصدري, ليعمد بعد استقالة أعضائه, تحريك الشارع الموالي له, ودخول المنطقة الخضراء, ليحتل البرلمان العراقي, ثم الانسحاب والعودة مرة أخرى, من أجل منع عقد الجلسات, ثم الاعتصام داخل البرلمان, كي لا تتشكل الحكومة.
واختصاراً لم نعيد ذكر ما وقع, بعد ذلك من قتال ذهب من خلاله, العديد من الشهداء, الأمر الذي وُصف أنه انقلابٌ فاشل, ووقى جل شأنه العراق شر الفتنة, التي أرادها أعداء البلد من الفاسدين, الذين عاثوا في البلاد فاسداً, فأغلبهم مزورون للشهادات, ومن المعتادون على الكومشنات, أو تهريب العملة والنفط, مستغلين المناصب التي استولوا عليها دون حق؛ إضافة للفوضى التي اجتاحت المحافظات, من يطلقون على أنفسهم ناشطين, يحشدون بين فينة وأخرى, إعادة أعوام 2019 / 2022.
الجهاد ضد الظالمين والطغاة, يحتاج للثقة والإرادة الصلبة, وثقة بالنفس وعمل دؤوب مفعم بالأمل, لتحقيق الهدف وإسقاط حكم الظالمين, وهذا النوع من الجهاد لا يمتلكه, إلا مَن كان على بصيرة من أمره؛ مُتَحَلياً بالصبر وتحمل التضحيات.
حكم العراق حكامِ طُغاة عبر تأريخه, أجرموا واضطهدوا شعبه, وكان همه أن ينال حريته, في التعبير عما يرغب فيه, بعيداً عن الشعارات, والقوانين التي تُسن باسمه, مع أنهم يعلمون, أنه براءٌ منها؛ فهم لا يعملون إلا لمصالهم الخاصة, فهمهم الحكم والسيطرة, على البلد والتمتع بثرواته.
احتلالات من دول كبرى, لشعبٍ لا يملك أدنى مقومات الدفاع, ففي الحرب العالمية الأولى, تعرض العراق لاحتلالٍ بريطاني, بعد الاحتلال العثماني, تحت شعار تحرير العراق, وما أن دخل بغداد, حتى أعلن احتلاله, وبدلاً من الحرية, انتهك كل القيم الانسانية, وصار المحتل هو الآمر الناهي, فلم يكن العراق إلا مستعمرة, ضمن المستعمرات الكثيرة.
عام 1920 انتفض الفرات الأوسط, على إثرِ اعتقال الشيخ شعلان ابو الجون؛ لتتمكن عشيرته/ الظوالم/ من اقتحام السجن, وإطلاق سراحه رغم قوة الحماية البريطانية, فاستشاط الحاكم العسكري غضباً, وأرسل التعزيزات العسكرية, وحاصر مدينة النجف الأشرف, مهددا بتهديمها مالم تتوقف الانتفاضة الشعبية, ما جعل أهالي النجف بالاستعانة, بعلماء النجف لإصدار فتوى الجهاد, وفعلاً قامت المرجعية العليا, بإصدار فتوى الجهاد الكفائي, لتتحول الانتفاضة إلى ثورة عارمة, إنطلقت من النجف الأشرف, لتشارك بها أغلب القبائل العراقية, وانتصرت إرادة الشعب.
رُبَ سائِل يسأل, هل كان دور العلماء, في الحوزة العلمية, هو إصدار الفتاوى فقط؟ والجواب هو_ لقد جَنَّدت المرجعية العليا, عدداً من العلماء الكبار, إضافة لطلبة العلم الحوزوي, لينطلقوا لبعض المحافظات, في الفرات الأوسط والجنوب العراقي, وقد استشهد وجُرِحَ منهم عَددٌ كبير, ليسطروا بدمائهم الزكية أعظم صور الشجاعة, وينيروا دروب الحرية بما زرعوه, من بطولة في نفوس الثائرين, من أولئك العلماء الذين شاركوا, منذ البداية بالتصدي للمستعمر البريطاني, السيد محسن الحكيم قدس سره, ومما جاء في سيرة حياته" كـان محسن الحكيم منذ شبابه, رافضا للظالمين وأعداء الدين، وقد شارك بنفسه, في التصدي للاحتلال البريطاني للعراق، حيث كان مسؤولا عن المجموعة المجاهدة, في منطقة الشعيبة في جنوب العراق، وكان يعلم بنوايا الاستعمار الخبيثة, عندما اِتخذ يتبع سياسة, فَرُّق تَسُد في العراق, وبذل الحكيم قصارى جهده, في سبيل جمع شمل المسلمين, من المذاهب المختلفة، عن طـريـق المشاركة, في كثير من الفعاليات, التي يقيمها أهل السنّة، مشجعا إياهم في الوقت نفسه, على حضور المناسبات التي يقيمها الشيعة"
تأريخ حكم العراق مليءٌ بالطغاة, كان آخرهم صدام حسين, وحزبه المجرم الذي عاث فساداً, واستهدف كبار العلماء المعارضين لسياسته, فقتل عدداً منهم, وكان أخطر بيت من بيوت الُعلماء؛ هو بيت آل الحكيم, فقد قام جلاوزته من رجال الأمن, بإلقاء القبض على عددٍ كبير, من تلك العائلة ذات التأريخ العريق, لتأريخها العلمي والجهادي, ذهب منهم أكثر من 60 عالم, وشابٍ وطفلٍ وامرأة, إلا أنَّ ذلك لم يثنيهم, عن الجهاد وقول الحق, في كل مَحفلٍ, إلى أن طفح الكَيل, بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران, فقد كان صدام وحزبه البغيض, أن يحدو علماء النجف, لإصدار فتوى الجهاد, ضد حكم الطغيان البعثي, فعمد لتصفياتٍ مكثفة, ما اضطر تلك العائلة للهجرة.
تبنى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره؛ الجهاد المسلح إضافة للجهد السياسي, بزعامة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, الذي كان له التأثير الكبير, بزعزعة الاستقرار للنظام البعثي, إضافة لترسيخ العلاقات, مع دول الجوار والمحافل الدولية, ونشر الوعي الثوري, من خلال اللقاءات مع الأسرى العراقيين, أثناء الحرب الصدامية, على الجمهورية الإسلامية في إيران, وما تبثه المعارضة العراقية, في بلاد المهجر إذاعياً, والصحف التي كانت تصدر, كان الأثر واضحاً, أثناء الانتفاضة الشعبانية عام 1991م, فما أن دخل المجاهدون, حتى هَبَّ الشرفاء من العراقيون, ليهزموا رجال الأمن, واختفى الرفاق من أعضاء حزب البعث, من البصرة إلى ما يقارب حدود بغداد؛ ولم يعودوا إلا بعد أن, أعطت أمريكا الضوء الأخضر, لصدام وأعوانه بإجهاض الانتفاضة, والسماح للطائرات المروحية, وكافة أنواع الأسلحة الثقيلة.
آتت جهود المعارضة أكُلها, فقد اتفقت على إسقاط, نظام البعث الصدامي, وتمت القناعة لدى دول التحالف, لتنفيذ ذلك عام 2002, لتشن الحرب بقيادة أمريكا, إلا أن ما طرحته القيادة الأمريكية, لم يلقى استحسان السيد محمد باقر الحكيم؛ بدخول الجيوش المتحالفة, بعدم مشاركة المعارضة المسلحة والسياسية, إلا بعد إسقاط النظام, وكان ذلك استشرافاً من الحكيم, للنتيجة التي اعتبرها إحتلالاً, فطرح أن يكون دخول معارضة الخارج, مباشرة وقبل سقوط بغداد, بيد جيش التحالف, الأمر الذي رفضته أمريكا, فكان أن أعلن الاحتلال, ليدخل بعض قيادات الأحزاب المعارضة, بحماية الجيش الأمريكي, إلا المجلس الأعلى الإسلامي حينها وفيلق بدر, الذي دخل مع زعيمه, السيد محمد باقر الحكيم, بعجلاتهم الخاصة وأسلحتهم الخفيفة.
كان دخول زعيم المقاومة الحكيم, يوم 10/5/2003 دخول القائد, وحضي باستقبالٍ حافل, من قبل جموع الشعب العراقي, منذ أول خطوة, وضعها على أرض الوطن, الَّذي فارقه 23 عاماً, تحت هتاف المستقبلين, والتي كانوا يرددون" وين الحاربك وينه, صدام النذل وينه" إلى أن وصل مدينة النجف الأشرف المًقدسة؛ فأقام أول صلاة للجمعة, ظهر يوم 30/5/2003, طارحاً عدة نُقاط منها, القضية الأمنية, قضية الاحتلال العسكري والموقف منها, فقدان النظام وعدم وجود دولة, تدير شؤون الناس, واحترام الأديان, مؤكداً على وحدة العراق.
بالرغم من حالة اليأس, لدى أغلب الشعب العرقي, بسقوط الطاغية وحزبه اللعين, إلا أن السيد محمد باقر الحكيم" قدس سره الشريف" كان مؤمناً أنَّ الخالق الجبار, لابد أن ينتقم يوماً, من ذلك الطاغية الأرعن, فثبت باعثاً الأمل لأتباعه, والشعب العراقي المًنتظر لعودته, إلا أن الأمل لم يكتمل تحقيقه, فقد اغتيل من قوى الشر, ليلقى ربه راضيا مرضياً.