محمد جواد الميالي

محمد جواد الميالي

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عجيب هو حال العراق وما وصلت إليه أوضاعه، فلا منطق واضح يمكن تصوره ليقاس عليه أي من أحداثنا، ولا فكر أو أيدلوجيا  معروفة ليقارن بها ما يجري الأن..

سخونة الأحداث والأنهيار الأقتصادي للبلاد، خلق صراعا من أربعة محاور للأستحواذ على الساحة من أجندات إقليمية ودولية وأخرى حزبية تيارية.. كل ذلك جعل الوضع صعب التفسير.. ففي شوارع التحرير والحبوبي فوضى وخليط، وتغير. تبدل الرجال وبغمضة عين عبد المهدي "شال" الليلة كلها وجيء الكاظمي، وتصورنا أننا ذاهبون بإتجاه ما.. لكننا وبتزامن لتغريدة الصدر الأخيرة والصمت الإعلامي للناشطين المستفيدين من الحكومة الجديدة.. لنفاجأ بإسكات الشارع وإعادة الحياة للتحرير!

كل ذلك التراجع في دعم التظاهرات، يعزوه بعضهم لإنشغال أمريكا بالإنتخابات.. في معركة مستمرة بين ترامب وبايدن، ينتظرها بعض العرب والعراقيين كثيرا..

الأول يستخدم ورقة اليهود للظفر بالولاية الثانية، التي تشغل الرأي العام حاليا.. التطبيع الذي أعلنه أشقائنا العرب مع أسرائيل، يمثل ورقة الحظ التي يلعب بها ترامب، وما كشف ذلك للعلن، وما يؤكد أنه من سينتصر في الأنتخابات تصريحان له:

الأول هو قوله أنه في حال خسر الإنتخابات فلن يبقى في أمريكا، وهذا له تداعيات كبيرة على بورصة وول ستريت، ومن شأنه أن يأثر سلباً على الأقتصاد الأمريكي، الذي لا يستطيع أن يتحمل أكبر من الخسارة التي تحصل له الآن، في ظل تنامي وإزدهار للأقتصاد الصيني المنافس الوحيد له في المنطقة! بالإضافة إلى خسارة أربعة مليون أميركي لوظائفهم.

التصريح الآخر وهو الأهم، حين صرح رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين الذي يقود علاقة التطبيع مع الدول العربية، أن إعلان إتفاق السلام بين السعودية و "أسرائيل"  سيحدث بعد أنتهاء الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وفق ما نقلته قناة 12 العبرية.

وأوضح كوهين أن سبب الموعد المقترح، يعود إلى رغبة الرياض في تقديم التطبيع "كهدية" للرئيس الأمريكي المنتخب، سواء كان دونالد ترامب أو منافسه الديمقراطي جو بايدن.

بما أن صاحب فكرة التطبيع وقبول الصهاينة في المنطقة هو الرئيس الحالي فاليهود لن يستغنوا عنه وسيظفر بالولاية الثانية.. ومن المتوقع أن يغرد على تويتر ويكتب عبارة (ماننطيها) أسوة بمثيله السابق في العراق، فكلاهما يتصفان بالرعونة..

ما يهمنا أن نعلم ما هية تداعيات فوزه بالرئاسة على الوضع الإقتصادي العراقي، هل يعود بالمنفعة على المنطقة، ويعيد الأستقرار الإقتصادي والخدمي لها، ويحجم من مشاكلهم مع إيران داخل العراق، وهذا الأقرب نظراً لمقتضيات المرحلة، التي يحتاجون بها وطننا بأن يكون بوصلة التقارب لا التباعد، لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر..

دائما هناك وجه آخر للعبة، فمن الممكن أن يجعل بلدنا بقرة أخرى يحلبها الأصهب متى ما يشاء، إن نضبت ضراعات الخليج المعلقة الأن في ماكنة استخراج الحليب.. من يدري فالحسم سيظهر بعد الإنتخابات العراقية المبكرة وليس بعد الإنتخابات الأمريكية..  

أكثر توصيف يستعمل حالياً لتوصيف الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بأنهم "مستخدمون".. وكثرة تعاطيهم  تؤدي بهم إلى مرحلة يصعب عليهم الإمتناع عنها، وتسمى هذه المرحلة بالإدمان.

يصبح العقل في تلك المرحلة شبه مغيب، يفقد السيطرة  ويتيه عن الواقع، ولا يميز بين الخيال والحقيقة، ويكون عرضة لكل المخاطر، وحتى التحكم فيه من المروجين لهذه المواد، فيكون الدماغ الأسفنجي مجرد مستقبل ومحفز للأوامر العصبية، مسير بها لا مخير.. لكنهم رغم حالة التغييب التي يعيشون بها، إلا أنهم يعتقدون بأن أفعالهم هي الصائبة دائما، وأن كل من يخالفهم هو عدو لهم، ويتطلعون للتغيير دائما لكنهم لا يحركون ساكنا، وكلما تحركوا أثاروا الفوضى..

الحقيقة المرة تثبت أنهم مجرد ضحايا مجتمعية وأسرية وحتى حكومية.. لأن غالبيتهم تنقطع بهم سبل الأمل، فيتجهون لأقرب ما ينجيهم من هذه الحياة، لذلك تكون مراحل علاجهم طويلة، والمحافظة على نظافتهم بعد التعافي صعبة جداً، لأنهم يمرون بمرحلة العزل، التغذية الفكرية، وأخيرا يجب أن يجدوا بيئة نقية تحتظنهم، وتوفر لهم العمل والحياة الكريمة، عندها يمكن أن تبني مجتمع خالي من الإدمان.

حديثاً ظهرت فئة أخرى يطلق عليها إسم مستخدمون لكنهم خطرون عندما يصلون إلى مرحلة الإدمان، إنهم مستخدموا مواقع التواصل الإجتماعي.. هؤلاء هم مجاميع خاملة، يتيح لهم المروجون أشياء مجانية، لكنهم في ذات الوقت يغذون عقلهم الباطن، بكل أساليب الترفيه التي تجعل منهم مدمنون على تلك المواقع..

أبرزه تلك المواقع هو (فيسبوك) الذين يعتبر المروج الأول عالمياً، وصاحب أكبر عدد مدمنين في العالم، فهو يقود ثوراتهم في بلدانهم، ويشوه صورة علمائهم، ويرسم لهم أن شهدائهم مجرد شخصيات تبعية، قتلوا لأنهم لا يستحقون الحياة..

تستغل هذه التطبيقات ومروجيها، حالة الفراغ الوقتي، التي يعيشها مواطنوا العالم الثالث، بسبب إرتفاع نسبة البطالة فيها، فيخضعهم لعدد من التجارب، إلى أن يصبحوا مدمنين من الدرجة الأولى، يقودهم منشور وإعجاب وتعليق لأن يحرقوا بلدانهم ويثيروا الشغب، ويتركوا السلمية، حتى يبلغون مرحلة الهيجان العقلي، التي تسمح لهم بأن يعتدوا على الكبار، ويعلقون جثة مراهق وسط ساحة، تحت انظار جموع غفيرة غير واعية، لا يستخدمون عقلهم.. بل هاتفهم للتصوير؟!

بالتالي فأن رواد المواقع الإلكترونية، لا يختلفون كثيرا عن مستخدمي المخدرات في حالة الإدمان، سوى أنهم أخطر بكثير، ودليل ذلك ما يحدث في الأوطان العربية، من تفرقة وتمزيق للوحدة الوطنية، وحصول تحركات فوضوية مليئة بمحركات خارجية، تثير العنف وتبيح القتل وتنشر الخوف.. قائدهم "أدمن" مبهم غير معروف، لكنه يملك صفحة عدد متابعيها يصل المليون، وبالتالي فأنه يقود آلاف الشباب، نحو تحقيق رغبات الأجندات الخارجية والأقليمية.

هذا يثبت لنا صحة مقولة، أن لا شيء مجاني في الحياة، لأن الهدف الرئيسي الذي تأسست لأجله هذه التطبيقات، هو خلق شعوب مدمنة، يسهل السيطرة عليها وأدارتها، لتحقيق أهدافهم السوداء التي تتبع قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة"

العراق كحال أغلب البلدان، يكثر به المدمنون الذين يشكلون الخطر الأكبر على أستقرار الدولة، ويقع علاجهم مناصفةً على عاتق الحكومة والمجتمع، وأولى خطوات العلاج، هي مراقبة النشاطات الإلكترونية التي تدار من داخل وخارج الوطن لأنها كانت السبب الرئيسي في خلق جيل متطرف فكريا.    

ميثولوجيا الدين ترتكز في كثير من جوانبها على شخصيات لها الدور الروحي، في التأثير في فكر وعقلية المجتمعات الدينية، وعلاقتها في التصرفات الإنسانية التي من شأنها أن تعمل على أستقامة التوجهات البشرية، نحو التكامل والتفاضل في نواحي عملية وعلمية، تتناسب طردياً مع النظام الديني الصحيح..

لكل نظام ديني جمهور يعتمد على التعليمات الألهية التي تلائم متطلبات أتباعه.. فبعضها يغذي العنف، التطرف و الإرهاب، كما حدث في طائفية العراق بعد سقوط الطاغية، كذلك التنظيمات الإجرامية التي فتكت بربع العراق، بسبب فتاوى مذهبية متطرفة، سفكت دماء الأبرياء، فسبيت النساء وذبح الأطفال، كلها تحت راية "داعش" الإرهابية..

كذلك في نفس الخندق المظلم، هناك ديانات تعتمد على أستباحة أراضي الآخرين وقتلهم في سبيل السيطرة على مواردهم الإقتصادية، حتى لو تطلب الأمر أن يقتلوهم من الجوع والتعذيب والتهجير القسري، كما يحدث الآن في دول القارة الأفريقية، وأيضا في فلسطين المحتلة، كل هذا تحت دعوى راية دينية تبرر للبعض أنهم شعب الباري المختار، أو أنهم فرسان المعبد الساعين نحو توسيعه على حساب جثث الإنسانية..

هناك دائماً جانب مشرق فبعض الأديان يكون فيها فكر معتدل يحترم الآخرين، ويسعى لأن يطبق تعاليم الإله الصحيحة، بفعاليات ومثل وأدوات نقية، لينتج عنها مجتمع قوي متماسك، مثال ذلك ما يحدث سنوياً في زيارة الأربعين، التي تعتبر من أهم طقوس المذهب الشيعي..

أتباع أهل البيت عليهم السلام يأمون سيراً على الأقدام من كل بقاع العالم، لزيارة إمامهم المقتول ظلماً (الحسين بن علي) في رحلة تستغرق مدة ٢٠ يوم، فتجد الطعام والشراب والمنام، وكل ما أحله الرحمن، متوفر مجاناً لكل القاصدين لكربلاء..

عشرون يوماً يحمل خدام الحسين ضيوفهم على أكف الراحة، ويلبون كل طلباتك تقرباً منهم إلى الباري، وإيماناً منهم بقضية قد أكل التاريخ من عمرها الف وأربعمائة عام، يطبقون آية القرآن التي تقول "إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكورا".

لذلك يعتبر الحسين عليه السلام الذي ثار على الباطل، ورفض أن يخضع لحاكم مخمور ظالم  قطع رأسه، وأحرق خيامه، وسبا عياله.. شخصية سرمدية، مازالت خالده في نفوس أتباعه، لأنه منارة تضيء لهم الدرب، وترشدهم إلى الهداية الربانية والدنيوية، لتقيم حداً فاصلاً بين الخير والشر داخل نفوس الشيعة..

كل هذه الطقوس والتعاليم هي قضايا روحانية، لها الأثر الأبعد في تكامل النفس البشرية، التي من شأنها أن توصل هؤلاء إلى أقصى درجات التواضع والزهد والعطاء، حيث يتساوى الجميع وتسقط الألقاب وتنتفي الشهادات العلمية، داخل خيمة واحدة تسمى "موكب " الجميع داخلها يحملون عنوان واحد هو "خادم للزائرين"

منذ أن أنتصرت هذه الدماء على سيوف الظالمين.. بدأت مسيرة العاشقين، وأنطلقت في خدمة الفقراء والمساكين.. تغيرت قوانين الفلاسفة، وأصبح من الممكن جداً أن يصل الإنسان إلى أعلى درجات التكامل الروحية والإنسانية، عندما يدخل خيمة الموكب ويحمل على صدره شعار الخادم.  

الجهل الفكري دائماً ما يخلق ضبابية وعدم أتزان في مكنون النفس البشرية، مما يجعلها سهلة الأنقياد لمقصلة الجزار، وتكون مشتتة في الأختيار، فتجدها لا تميز بين الجمرة والتمرة، ولا تفقه في أدنى الأمور فضلاً عن أعلاها، لذلك الشعوب التي تعاني من أنحدار الثقافة الوطنية والسياسية، دائماً ماتكون عرضة للأطماع الدولية..

مثال ذلك ما يحدث في ذاكرة الوعي العراقي، وتناسبه الطردي مع مكونات مجتمعنا من تعددية دينية وتنوع الأقلية، حيث يمتازان بالأختلاف وتشعب الأيدلوجيات، وأحتوائهما على عدة أذواق فكرية، فهي تناسب كل ما يرغب به الطامع بخيرات البلاد، وكل تلك الأمور تصب في مصلحة المحتل، لأن من أهم مواصفات المواطن العراقي، هي سهولة التأثير به، وتغيب الوعي لديه، ليكون أداة طيعة بيد الأجندات الخارجية، ويكون موجه نحو الهدف المنشود، وربما نُعتبر من الشعوب الجاذبة للأستعمار الفكري، والطارد للأفكار البناءة، وهذا هو ما جنيناه من حكم خمسة وثلاثين عاما من فكر البعث الفاسد، الذي كان كسرطان في جسد المجتمع..

هذا الإختلاف يكمن في كون المجتمع يحوي كل المواصفات، التي تؤهله ليكون أسهل الجماهير، التي تقع تحت تأثير الأعلام، وتكون مسيرة بقانون الفوضى الخلاقة.. حيث أنه ينقسم إلى ثلاث أنواع وكالتالي:

الأول هو الجمهور السياسي الذي ينقسم إلى إسلامي، ليبرالي، مدني وشيوعي، وكل فئة تقدس شخصية في الطبقة الحاكمة، وتعتبرها هي الأمل في إنقاذ العراق، وبريئة من الفساد الذي نخر أروقة الدولة، كبراءة الذئب من دم يوسف، ويتكاثرون دائماً في مواقع التواصل الإجتماعي، الذي يعتبر متنفسهم الوحيد، ومكانهم المفضل لعبادة خطوطهم الحمراء.. وهم أغلبية لها التأثير الفاصل في كل أنتخابات، وأصابعهم البنفسجية هي الشريك الأكبر في هذا الخراب..

النوع الثاني هم جمهور الشباب غير المؤدلج "قبل" الأحتجاجات، فما قبلها ليس كما بعدها.. فمن كان لا ينتمي وخرج يتظاهر من أجل الوطن فقط،اليوم أصبح يبحث عن التمثيل السياسي في قبة البرلمان، وتمت أدلجته بنجاح لجهة معينة، كانت تمثل نسبة صغيرة في الحكومات السابقة، وشريكة في الفساد، واليوم هي تستغل تغييب الوعي لبعض شباب الساحات، ليكونوا جمهورها في الأنتخابات القادمة، لكن المحصلة واحدة، تتبع المثل الذي يقول "نفس الطاس ونفس الحمام" والدليل أن الساحات التي ترفض تعددية الأحزاب، لديها لهذه اللحظة خمسة عشر كيان سياسي من ثنايا الخيم سيدخل معترك الإنتخابات!

أما الأخير فهم المستقلون، وهم شبه منعدمون، وسط هذا الكم الهائل من تخبط وتبعية الأحزاب، وأجندات السفارات، هؤلاء الذين لا يمكن أن يؤثروا في معادلة التغيير، لأن الديمقراطية تعتمد على رأي الأغلبية، وللأسف الأغلبية العظمى اليوم مسيرة خلف أبواق ومنصات إعلامية، أحداها ترسم لهم أن أنقاذ الوطن في حرق الإطارات، و أخرى تفسره لهم بأنه في السلاح المنفلت، وهم ضحية في بلد تكثر به القنوات اللامهنية..

هذه مواصفات المواطن العراقي التي تتشابه مع طبق بيتزا إيطالي، في تعدد المكونات واختلاف الأذواق، وربما لا حل لها أبدا..

الأنتخابات القادمة ستثبت أن فوضى هذه السنتين، لم ترفع من نسبة الوعي إطلاقا، بل رسخت فكرة تعددية الأحزاب، وسيكون للأخير ربما حصة الأسد في الانتخابات المبكرة.. 

صار التطرف الفكري أوسع أنتشاراً عالميا، نتيجة تغذيته المستمرة من القنوات ومواقع التواصل، وأكثر رواج له في بيئة الشباب، وهذا  تهديد لتماسك المجتمعات، وينذر بإنهيار مجتمعي وأمني إذا تداخل بين القضايا السياسية والإجتماعية.

هذا التطرف سينتج ظواهر كالعنف والإرهاب والعدوان على الأبرياء، والمساس بالمعتقدات الدينية وسيعزز الفوضى الأمنية.

 الإنتقاد الذي يحدث تجاه الطقوس المذهبية في العالم صار محدودا جداً، لكنه وبشكل غريب يتوسع فيما يخص طقوس عاشوراء العراق كل سنة، ليتحول إلى تطرف عنيف!

العالم يعج بالعديد من المقدسات وميثولوجيا الدين، التي يقف الأعلام دائماً بجانبها أو يكن لها الأحترام، ولا يقترب أحد من نقد طقوسها أو شعائرها..

من هذه  المعتقدات ما يحدث في الهند، فملايين الناس تحج سنوياً لأحياء مراسيم إله الذهب لديهم، فيقومون برمي القطع الذهبية في بئر تكريماً له، كذلك الأحتفال السنوي بالإله شيفا، وهو أحد أعظم الألهة في الطائفة الهندوسية، ويجب عليك أن لا تمس شيفا ولو بحرف سوء، لأنك ستقتل في سبيل المحافظة على قدسيته..

الصين أيضا تعتبر بلدا تتعدد فيه الآله، وعندما تدخل حدودها عليك أن تحترم جميع التماثيل في الشوارع، وفي بعض مناطقها يتوجب عليك أن تقدس "فأرا" فبعضهم يعبد الحيوانات، لكن هناك مايتفق عليه كافة الشعب الصيني، وهو شبه تقديسهم للزعيم "ماو" وهو ثوري يعد مؤسسا لجمهورية الصين الشعبية وعرف بماركسية، وأستيراتيجيته العسكرية السياسية، هذه الأفكار تشكلت لتنتج طائفة تعرف بالماوية.. يقومون بأحياء هذه الطقوس سنوياً عند ضريحه وسط بكين، ولا يمكن لأعلام أو شخص، أن يتجاوز على عاداتهم أو مهاجمة طريقة عبادتهم تلك، وتصل عقوبة عدم الأحترام ربما إلى الأعدام!

أوروبا وديانتها المسيحية المقدسة، طقوس الآحاد لديها تعتبر خط أحمر، لا يقترب منه أي شخص مهما كان منصبه، فنجد أن بعض رؤساء الدول، ينحنون ليقبوا يد "البابا" كذلك في أمريكا يمكنك أن تعتدي على ذوي البشرة السمراء، لكن إياك أن تقترب أو تهاجم أو حتى ترفع لافته ضد المثليين، لأنهم شعب يقدر اللوطيين، وستتعرض للسجن إذا تجاوزت ولو بكلمة بحقهم..

المتطرفين في الشرق الأوسط، ومحركيهم من دول الغرب، وأذرعهم في العراق، دائماً مايكون تطرفهم ضد الشعائر الحسينية فقط، فالحرية الشخصية و حرية أعتناق الأديان، مباحة للجميع في نظرهم، لكنها يجب أن تكبل وتقيد لدى الشيعة..

من الطبيعي أن تقتدي وتحتفل سنوياً "بالكرسمس"، وتفتخر أن هناك شعوبا تحترم "اللوطيين"، ويعبدون "الماو" و "شيفا" فهذا في نظرهم تطور، لكنهم يستنكرون للشيعة أن يقيموا العزاء، ويقدمون الطعام لكل الناس، ويهملوا الدموع على شهيد كربلاء، إبن بنت الرسول، فهذا في منطقهم ماهو إلا تخلف؟!

الحق دائما محارب والزمان لم يتغير، فالحسين مازال ينبض في مواكب ولطم محبيه، ويزيد رافعاً سيفه وإعلامه ليحارب أنصار سبط النبي.. لكن هيهات أن ينتهي هذا العزاء، فقد قالت زينب عليها السلام "والله لن تمحوا ذكرنا" وكما أن هناك طرف ثالث يثير القتل في بلادنا، هناك أيضآ متطرف ثالث يحاول أن يهدم أهم مقدساتنا..      

 

كل الأفكار التي تؤثر على العالم يكون مصدرها الدول العظمى، متحكمة بتوجيه العقل البشري، وهي ليست عشوائية او تلقائية بل تخضع لدراسات مختصة، لتعلم جيداً كيف تخلق فجوة مبهمة، بين المتهم وبين الضحية، لتكون أصابع الإتهام موجه دائماً بعيدا عنهم، لكنها مباشرة بإتجاه العدو الحقيقي للمتهم.

أكثر الشعوب عرضة لهذا التنويم المغناطيسي، هي تلك التي تأمل بأن تعيش حياة مستقلة، تسودها العدالة والتعاون والسلم بين الجميع، لذلك تكون سهلة الأنقياد تحت سلطة الأنظمة الشمولية وأنحرافاتها، التي تكون مهيئة أساساً لتهديم كل قواعد تطور المجتمع من القيم المثلى القدوة و الأسرة، لتخلق جيلا متهالكا على هيئة مواطنين، داخل دولة منهارة سياسيا، وبالتالي نقص الخدمات وضياع الحقوق وعدم وجود الأمن، يسهل على المتهم الأول أن يخلق أحتجاج، يرسمه الإعلام على أنه تظاهرات عارمة ضد الدولة، ويصور للعالم على أنها ثورة جياع ضد الإسلام السياسي، وعدم قدرته على قيادة النظام.

السؤال الأهم هل حقاً الإسلام السياسي لا يصلح لقيادة الحكم؟ أم أن المتهم الحقيقي يخلق هذا التظليل تجاه فئة معينة، لا يريد لها أن تكون مشاركة في السياسة؟

الحكم الإسلامي يختلف في تطبيقه بين أوطان الشرق الأوسط كالإمارات العربية، السعودية والبحرين، التي تعتمد الإسلام السني في الحكم، مع نظام الملوكية الذي تنتقل به السلطة بالوراثة، وأضطهاد للمكونات الدينية الأخرى في الشعب، وخاصة المكون الشيعي.. وعدم السماح بأن يكون لهم أي تمثيل في قرارات الدولة. "هي دكتاتورية من نوع آخر" أما الدول الجمهورية كالعراق ولبنان، فإنها تعتمد على نظام ديمقراطي، يتيح للجميع أن يكون له قدم مشاركة في منظومة إدارة الدولة، لكن الغريب أن الماكينات الإعلامية، لا تقترب من أنظمة الحكم في الأوطان التي تكون راضخه للكيان الصهيوني، وتعترف به دولة على حساب فلسطين المحتلة، كما يحدث في السعودية، البحرين والإمارات، لكنه دائماً ما يسارع إلى أن ينتقد بشدة، أنظمة الحكم التي يكون للشيعة دور فيها.. فلماذا الشيعة؟!

ما يحدث حقاً أن الإعلام يحرف الحقيقة من المتهم الأول إسرائيل إلى العدو الأول والأخير لهذا الكيان وهم الشيعة، هذا العداء الأزلي مازال ينبض في قلب الصهاينة خوفاً من الروافض، لذلك كلنا نعلم أن ما حدث من طائفية، وسيارات مفخخة إلى داعش، كلها بتخطيط صهيوني وتنفيذ أخوة العروبة..

كل ذلك لإفشال الديمقراطية في العراق، لأن نجاحها سيفتح أعين الشعوب القابعة تحت الدكتاتورية الملوكية في الخليج العربي ويهدد النظام فيها، إلا أن فجوة الإعلام نجحت نوعا ما في أن تخلق تغييبا لفكر الشباب العراقي الشيعي، فنجد أن بعضهم بدأ يطالب بأن نضع الأيادي مع إسرائيل، ونسير على خطى الجامعة العبرية بالتطبيع، فهم متناسين كل هذه الدماء وأجساد الأطفال التي سقطت لتقوم دولة الأحتلال، وآخرها أنفجار مرفأ بيروت..

للأسف بازار المصالح سيجر العديد من الدول إلى إعلان عمالتها وزواجها اللوطي من الكيان المغتصب، أما القدس فستكون في طي النسيان، وسيأتي الصباح الذي نجد في كل العرب هم مجرد خدم تحت أقدام حاخامات الكيان، عندها سيحققون نبؤتهم بأنهم شعب الله المختار، وأن العرب مجرد عبيد لديهم..