
محمد جواد الميالي
تصل العملية السياسية إلى أنغلاق تام، مباحثات قادة الكتل لا تجدي نفعاً، إدارة البلد تتجه نحو الإنهيار السياسي، بسبب تشبث مختال العصر بمنصب رئاسة الوزراء، أرتفاع شعار "ماننطيها" في كافة مواقع التواصل الإجتماعي، أننا مقبلون على إنهيار أمني، ولا أحد يعلم ما الحل!؟
تاريخ ٨/٦/٢٠١٤ تدخل عجلات الدفع الرباعي إلى الموصل بغطاء حماية من الطائرات الأمريكية، وجوههم مغبره، ملابسهم تعلوا القدم شبراً وراياتهم سوداء.. أما مشايخ أهل الموصل فأستقبلوهم بأهازيج الفرح والرقص، مستبشرين عزاً بجهاد النكاح الذي سيطال نساءهم!؟ وبدماء الجيش التي ستسفك بسيوف أبنائهم، سَلَم قادة الجيش المعدات والآليات لقادة الأرهاب، تاركين خلفهم جنودٌ بلا قائد، ليحملوا العار في حقائبهم مع بعض الدولارات، هاربين إلى أربيل، ليستضيفهم ملكهم الخائن.. عندها أرتفعت الشعارات وتعالت، ليصرخوا بإقامة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" هدفها كان واضح في منشوراتهم.. "نعم لهدم لقبور الأئمة، والف لا للوجود الشيعي في الحكم" هكذا بدأت حكاية الخيانة.
ساحات العز والتظاهر التي كانت تنادي "قادمون يا بغداد" أصبحت تغني " نقطع الرأس ونقيم الحدود" فكانت طقوس المبايعة هي قطع رؤس الشيعة والجنود، أما عملية إعدام الشجاع مصطفى العذاري، الذي تفاخروا بصلب جثمانه أمام مرئى من الناس، بين ضاحك وآخر يرمي الزهور فرحاً، الفتى الشيعي المصلوب على الجسر، كان مفتاح المبايعة!؟ حينها أمست تكريت والأنبار مدن تحت سيطرة الإرهاب، بموافقة أهلها وأنضمام عشائرها لهذا التنظيم.
أما التاريخ الذي لا ينسى، كان في ١٢/٦/٢٠١٤ عشائر البو ناصر والبو عجيل وغيرهم من عشائر تكريت، بالأتفاق مع بعض ضباط قاعدة سبايكر، أوهموا الشهداء الشيعة، بأنهم سوف ينقلونهم "بالتريلات" إلى بغداد ليتركوا الأرض، لكن الغدر والخيانة لا يمكن أن يفارق أبناء الرفيقات.. فوقت الكارثة!
أسر ما يقارب 2500 جندي، وتقسيمهم على عشائر تكريت ليقوموا بإعدامهم في قصر الطاغية صدام، ورميهم في نهر دجلة، ذلك النهر الذي حمل أجساداً طاهره، وتلون بدمائهم الزاكية، أصبح شاهداً على جريمة العصر، التي أمست وصمة عار في جبين شيوخ الغربية، الذين أرتضوا الذل والعار لأنفسهم، ببيعهم للأرض والعرض بجعل نسائهم جواري للشيشاني والأفغاني..
كل هذا وأكثر في ظرف أسبوع، لكن حدث ما غير الخطة وقلب الموازين، عندما أهتزت بيوتات النجف القديمة، لتخرج لنا بفتوى الجهاد الكفائي، التي أفشلت كل المخطاطات والمؤامرات، ليتصدى شجعان الجنوب الشيعي ويكسروا ظهر الإرهاب، ليستعيدوا بذلك شرف نساء الغربية، بعد أن دنسه شيوخهم.. وبعد ثلاث سنوات من مخاض الحرب، قرأ الحشد المقدس.. فتوى الإنتصار بتحرير العراق.
الصيف يختلف في بلادي عن سواه.. فشمسه حارقة لا يتحملها إلا العراقي، الذي تكيف مع الوضع بدون كهرباء، فما أن يقبل علينا الصيف بحره الشديد، حتى يبدأ السيناريو المعتاد من تذبذب وعدم أستقرار للتيار الكهربائي.
سبعة عشر عام بعد الدكتاتورية، تناوب فيها خمسة وزراء بحقائبهم المليئة بالشعارات على تولي حقيبتها، وسرعان ما يأتي لهيب تموز الحارق ليفندها كلها، منذ هروب السامرائي بتهم الفساد المالي، مروراً بكريم وحيد الذي لم يفقه منه الشارع سوى الإستقالة، إلى رعد شلال الذي طالته أصابع الإتهام بسبب إتهامات بعقود وهمية، وصولاً الى الجميلي الذي لم يختلف عن سابقه بالتهم!
لكن زمن الشعارات الأبرز كان على لسان السيد الشهرستاني، الذي وعد بتصدير الكهرباء وأخلف، فكان عام ٢٠١٣ له بالمرصاد ليفضح أكذوبته العجيبة تلك.. ثم جاء السيد لؤي الخطيب ليخرج علينا بخطبته الشهيرة "كهرباء ١٧ سنة ماكو ليش؟!" ولم يتحقق منها سوى تقاعد له ولعائلته؟!
ما زالت ساعات تجهيز الكهرباء متذبذبة في الصيف، ورغم ان غضب الجماهير سرعان ما يرتفع في الحرارة وينخفض بقدوم الشتاء.. لكن علينا أن نتساءل متى ستنتهي هذه الشعارات، وينقضي معها زمن الفساد الذي نخر الوزارة من أعلى هرمها لأسفل القاعدة، بصرفيات تبلغ سبعة وعشرون مليار دولار صرفت على منظومة الكهرباء، ومازالت غير منتجة ولم تستقر؟!
أين الخلل الحقيقي في تذبذب المنظومة الكهربائية؟ فالميزانية التي صرفت عليها تقارب أن تعادل ميزانية دولة، وعدد موظفيها يدخل ضمن نطاق البطالة المقنعة.. بالإضافة إلى أسماء الشركات العملاقة، التي ما أن تحاول أن تتعاقد مع وزارة الكهرباء، حتى ندخل في معترك أزمة سياسية لإلغائها!
من الذي يسعى إلى عدم أستقرارها وما غايته؟
كل هذا الفساد يعيدنا بالذاكرة إلى عام ١٩٦٨، عندما حاول العراق أن يتعاقد مع شركات فرنسية لإدارة أزمة الطاقة، لكن سرعان ما أقيل على إثرها رئيس الوزراء؟! اليوم كذلك ما أن شرعت حكومتنا بالإنفاق مع شركة سيمنز الألمانية، حتى دخلنا في معترك أزمة إسقاط النظام، وبعد التوجه الى البروتوكولات الحكومية مع الصين.. أستقال رئيس الوزراء وكاد ان يضيع النظام.. وأرتفعت وتيرة أزمة تشكيل الحكومة، ولو بحثنا خلف الشركات التي تم التعاقد معها من أجل حل معضلة الطاقة، سنجد أنها شركات أمريكية؟!
هل يعقل أن شركات العم سام هي المسؤول الرئيسي في تذبذب الكهرباء، بإدارتها لبيادق الشطرنج في الوزارة؟! وهل هي مسألة هل أموال فقط؟ أم هناك سبب آخر دفعهم لجعل المواطن يعاني؟
عدم أستقرار الكهرباء يخلق فجوة كبيرة بين الشعب والحكومة وكل النظام السياسي ، وكلما أتسعت هذه الفجوة كلما أزداد النفوذ الخارجي في الساحة العراقية وأوله الأمريكي.. وبالتالي فإن خلق الأزمات في الشعوب يسهل من السيطرة عليها..
المقال الأخير لرئيس الوزراء بعنوان "العراق أكبر من الصراعات" هل سيكون حقاً خارطة طريق، أم هو مجرد شعارات كسابقاته، سرعان ما تذوبها خفايا وأسرار الأسلاك الكهربائية؟
الأنغلاق السياسي الذي أنتج حكومة عادل عبد المهدي، أحدث إنشقاقات في الكتل الشيعية وتوافقاتها، تجاه الحكومة التي أدخلت العراق في مأزق بعد أن أتجهت نحو الصين أقتصاديا، العدو المرعب للعسكر الأمريكي.. مما جعل الأقطاب الدولية لتنظر للحكومة بعين الغضب، بسبب بعدها عنهم، وعن مواقفهم.
كل ذلك دفع القوى الإقليمية والدولية، إلى أن تحرك أذرعها داخل فوهة التظاهرات، مستغلة بذلك أجندتها المتمركزة والمحركة لرحم الأحتجاجات، لتعبث بالشارع وترفع من وتيرة التصعيد، فيسقط القتلى كلما لم تُنفذ اوامرها، في تشكيل حكومة برغماتية تجاه أوامر العم سام، كل ذلك أدى إلى خلل في نظام الشراكة الذي أُسس له بعد ٢٠٠٣، مما جعل القوى الكردية والسنية ليكون لها صوت في إختيار المكلف لقيادة الحكومة، الذي هو حق للمكون الشيعي بحكم كونهم الأغلبية.. فضلا عن اللاعب الدولي والأقليمي، الذي يشرف على الموافقة أو الرفض في أختيار الشخصيات المطروحة لهذا المنصب..
المكلف ما قبل الكاظمي كان أحجية اللغز الذي جاء ليحل هذه المعضلة، ويجبر الخصوم على التصويت للرئيس الجديد، لكن وفق شروط ومبايعات "للحجي قبل العم سام" ليكون أول رئيس وزراء تتفق عليه كافة أطراف اللعبة، لكنه حقق الغرض الاساسي الذي كانت تهدف إليه امريكا، بتحريكها لعصى الأحتجاجات غير السلمية، والتلميح بالأنقلاب العسكري..
المفهوم الحديث للديمقراطية والتطور الطبيعي للعالم، يضعنا أمام خيارين لا يمكن أنكارهما، أحدهما أن الدول العظمى لا يمكنها أن تشرك نفسها في حروب عسكرية الفائز فيها هو أكبر الخاسرين، لذلك منظور الحروب أتجه نحو السيطرة الإقتصادية.
في الأنقلابات العسكرية، إنتهى الزمن الذي فيه ينقلب الجيش على الحكم ويكون هو المسيطر وإنما أصبح الوضع هو ان تخلع البدلة العسكرية وترتدي البدلة الرسمية، لتكون عسكرية بغطاء مدني، يقود الدولة بالإنتخاب حتى لو كان صوريا، ولنا في مصر خير مثال كل ذلك بتصفيق وتبريك الشعوب، التي تنطلي عليها حيل الأعلام..
رئيس الوزراء، وزير الداخلية والدفاع، رئيس اركان الجيش وباقي مفاصل الدولة، أصبحت تحت قيادة شخصيات عسكرية بقيادة مدنية، لأن الحكومة العسكرية تكون راضخه تماماً غير مدركة للأمور الإقتصادية، ودليل ذلك القرار الذي يثار حالياً، بأن الحكومة مقبلة على أقتراض ثمانية مليارات دولار من البنك الدولي، الذي ما أن يقرض دولة حتى يتحكم بكافة مفاصلها الإقتصادية، وتصبح بقرة حلوب للعم سام كما يحدث اليوم مع السعودية، التي اصبحت قاب قوسين او ادنى من ان تغرق في ديونها..
إذا الهدف الرئيسي الذي ترمي إليه أمريكيا، قد تحقق بحكومة عسكرية تحت غطائها العلني، لكن التحديات أمام رئيس وزرائها.. الجديد كبيرة، أولها أن يخرج العراق من أزمة التقشف الإقتصادي دون ان يلجئ للإقتراض، كذلك عليه أن يبعد بلدنا عن الصراع القائم بين العم سام والحجي، وأن يكون وطننا هو الرابط في إيجاد الحلول المرضيه للطرفين..
من المؤكد أيضاً أن الإعلام سيفعل ذلك وأكثر ليلمع صورة الإبن البار لترامب، وشعبنا كعادته سيسير مغمض العينين، خلف أبواق مواقع التواصل والقنوات المأجورة..
أمل العراق الوحيد في الإنتخابات القادمة، التي ستعتبر التحدي الحقيقي لوعي الشعب، فأما ناخبين يحدثون التغيير، أو نفس الوجوه الكالحة التي تسر العدو..
يميل العقل الباطن للإنسان للإتصاف بالغباء إذا تلقى عدة معلومات متكررة، مما يجعله يصنع خيطا وهميا، بين الأفكار التي يتلقاها و بين الحقيقة الواقعية..
خلال فترة قصيرة بعدها، ربما يتفوق غباء العقل الباطن ويتسيد التفكير، وعندها يصبح الشخص منقاد خلف الوهم الذي يساق له.
يخاطب الإعلام دائما العقل الباطن للناس، لسهولة التأثير به وأقتياده إلى الهدف الرئيسي، وهو تغييب وعيه وزيادة الجمهور اللاواعي، وعندها سيكون المجتمع أداة يحركها الإعلام كيفما يشاء، فيصبح من السهل "إصطناع" الثورات وخلق الفجوات وتشتيت المجتمعات.. بل وقد تصل قدراته لأن يزرع بذور كره الذات في الأشخاص الذين يتأثرون بشاشات التلفاز..
أهم ما يستغله صناع المحتوى، هو تقديمهم المعلومات الكاذبة على دفعات، بينها فترات زمنية ثابتة، وبشكل مكرر.. وأصدق مثال لذلك ما يحدث في مسلسلات رمضان التي يقدمها الإعلام العربي، ويخاطب بها المجتمع الشيعي.. فهو يعتمد مبدأ الكذب المكثف والمكرر حتى يحولها لحقيقة، ربما يصدقها فعلاً المستهدفون من ابناء الوسط والجنوب!
جميع دراما القنوات العراقية في رمضان، تتحدث عن البيئة في الوسط الجنوبي، والعوامل المؤثرة فيها كشيوخ العشائر، ورجال الدين، والمتغيرات كالعنف الأسرى وحياة النساء والأهم الشاب الجنوبي..
يرسمون خطا وهميا كاذبا مليئا بالغبن والأفتراء، وأن العشائر الجنوبية وشيوخها همجٌ رعاع، ظلمة يستعبدون الخدم والرعية، لا يعترفون سوى بالقوة وأخذ الدية.. ويصورون النساء الجنوبيات بأنهن مهانات معنفات، يملن للخيانة والأنتحار، أما رجال الدين فهم سبب البلاء و الويلات، وشبابنا فقيرهم لا يفقه سوى الجلوس على المقاهي، ذليلاً لا يملك صنعة ولا عملا، أما غنيهم فهو سفيه تزهوا أيامه بالغناء السكر وملاحقة النساء!
هذا ما يصوره الإعلام البعثي على مدار سبعة عشر سنة في كل رمضان، ليوهم المجتمعات الجنوبية والعربية، أن جنوب العراق سوداوي، لا يفقه في الحياة سوى الظلم والجور؟!
جنوب العراق أسمى وأرفع من أن يكون كما وصفه الإعلام البعثي.. فهذه الأرض أنطلقت منها ثورة العشرين، وبها عصفت أولى مقاومة للدكتاتور، وعمامة حوزته أطلقت الفتوى التي لباها شبابها، لينقذ نساء العراق من شماله. غربه وجنوبه من السبي وجهاد النكاح، الذي وافق عليه بعض شيوخ الارهاب، في مناطق اخرى..
شيوخ الجنوب حملوا السلاح في مقارعة الإرهاب، وشيوخ غيرهم أشتروا وباعوا النساء الإيزيديات، وزوجوا نسائهم للشيشاني والأفغاني.. فشتان بين الثرى والثريا.
اهل الجنوب هم من أستقبلوا النازحين في دارهم عندما طردوا من ديارهم، ولم يفرقوا بين نازح سني أو شيعي عربي أو كردي، فترابهم ينبض بالكرم والشجاعة العراقية الأصيلة، الشروكية أزكى وأطهر وأرفع من أفتراءات الإعلام الكاذب.
لو كان هدفهم أن يرصدوا الحالات السلبية في المجتمعات كما يدعون، لماذا لا يكون هناك مسلسل عن شهداء سبايكر، الذين قتلهم أفراد من عشائر تكريت، أو عن الإيزيديات اللواتي أختطفهن وأغتصبهن أبناء القرى المحيطة بسنجار؟!
لماذا لا توجد حلقة تجسد كيف أعدموا مصطفى العذاري؟ أو لماذا لا يتحدثون عن العشائر التي بايعت داعش، ودفعت أفرادها للإنضمام له؟
ماذا لو طرحت هذه الحقائق درامياً بقنوات الشيعية؟ هل سيسكت الاخرون كما سكتوا عن التشويه الدرامي لصورة المجتمع الجنوبي؟ أم ستقوم الدنيا ولن تقعد ونتهم بأننا ندعوا إلى الطائفية؟!
الحقيقة يجب أن تقال أنها هجمة منظمة ضد المكون الشيعي، ليحاولوا أن يستروا عورة عشائر أرتضت لنسائها جهاد النكاح..
لكن الخلل الحقيقي يكمن في نواب الجنوب، الذين سكتوا أمام موجات الإعلام المنحرف، الذي يحاول بشتى الطرق أن يقتاد المجتمع الشيعي، ليجعل منه كالقطيع الذي يساق أعمى إلى مقصلة البعث المجرم.
المجتمعات الهشة فكرياً يسهل التأثير عليها.. ولتسيطر عليها أكثر يجب تفرقته وتحويله إلى مجموعات فكرية، كل منها تعارض الأخرى في الأهداف والتوجه ظاهرياً، وتوافقها باطنياً لتحقيق ذات الهدف..
الوسيلة الوحيدة الأسهل لتحقيق ذلك تكون عن طريق الإعلام.. ومثال واضح لذلك ما يحدث في العراق.. فقد انقسم المجتمع لعدة مجاميع، تبدوا كأنها متناحرة.. لكنها تأتي بنفس النتيجة!
المجموعات البعثية.. نعم لا تستغرب فالبعث لازال ينبض في الشارع، وتجربة اربعين عام لا يمكن أن تنتهي ببضعة سنوات من ديمقراطية عرجاء مترجحة.. وهم يعارضون كل شيء ويتمنون سقوط النظام الحالي، فحلم العودة للحكم بقيادة رغد ابنة الطاغية و شيوخ العوجة ما زال قائما، فهم لا يستسيغون أن يكون للمكون الشيعي دور في الحكم، فمن كان لا يحق له أن يكون مدير ناحية في محافظته، يقبلون اليوم له الحق ليصبح رئيس الوزراء؟!
المجموعات المنحرفة عقائديا، التي تأسست بعد ٢٠٠٣ ذات الدعم الخليجي، وتسعى لتشويه سمعة عمامة الدين، وتبرير القتل وإشاعة الفوضى، هدفها الأول والأخير ضرب حوزة النجف.. ولك أن تتخيل وجود مرجع شيعي يقيم في أربيل!
جمهور "الطشة" او السطحيون وهم سريعي التأثر بمن يمزق ملابسه أمام الشاشة، ويتكاثرون في منشورات الناشطات الجميلات، وكل ما يصدر من مدفوعي الثمن فهو من المُسَلَمات، لا تستطيع أن تثبت لهم عكس ذلك، فهم يؤمنون ببكاء الفقراء في أيام الحجر الصحي، ولا يكترثون لذلك أيام الأحتجاجات..
بعض هؤلاء يبحث عن وطن أيام التظاهرات لأجل اللجوء، وبعد أزمة كورونا، يطالبون بأن يعودوا إلى الوطن، و ما كان نكرة بالأمس أصبح اليوم معرف!
هناك أيضا أصحاب الصوت العالي، أو مجموعات "هستيريا الجماهير" وهؤلاء ينطبق عليهم مبدأ المنقادين تحت تأثير الشعارات، وجلهم من الشباب الذي يهرول خلف سراب الإعلام، تجدهم يتجمعون طالما هناك فتيات، أغاني وأعلام الوطن، لأنهم يظنون أن الوطنية تتحقق بتلك الأشياء، وإياك أن تقول أن بعض تصرفاتهم خطأ، لأنك سترمى بأبشع التهم، وتكون خائناً للوطن، فهذا ما تعلموه من أبواق الفضائيات.
جمهور الأحزاب، وهؤلاء مجاميع متعددة تنتمي لأحزاب سياسية وفق ما شرعته لهم الديمقراطية، بعظهم القلة يحاولون أن يجدوا وطنا عن طريق العملية الديمقراطية وألياتها، ويؤمنون أن التغيير يحدث عن طريق الأنتخاب، ومشكلة هؤلاء الكبرى مع خصومهم، تتمثل في أنهم لو كانوا من أتباع الأحزاب العلمانية أو الشيوعية والسنية أو الكردية، فلا ضير ولا ضرار، لكن إياك أن تنتمي للأحزاب الشيعية.. عندها ستكون أقبح من الذي هدم الكعبة في نظرهم، لأنهم لا يستسيغون أن يكون للشيعة دور في الحكم، رغم أن الفساد مشترك بين الأحزاب ككل، إلا أن اللوم يقع على عاتقهم فقط..
كل هذه المجاميع، تؤدلج عن طريق عدة أدوات، منها القنوات الفضائية وصفحات بمواقع التواصل الإجتماعي، بالتالي فأن هدفهم مشترك، هو خلق قناعة مؤقتة ذات هدف تدميري للذات المجتمعية، وليس من شأنها أن تصنع وعيا دائميا، كل ذلك يستهدف فئة معينة وطبقة محددة من المجتمع، وبعدها يبدأ تدفق منشورات اللاوعي الأجتماعي، تحت شعارات أبرزها "الوعي قائد" الذي أطلقه الإعلام وصدقه المحتجون.
بدل أن يكون هناك قائد واعي يبلور عملية الأحتجاج، ويرص صفوفهم ويطرد المندسين، أصبح كل خمسة أنفار يقودهم منشور أو شخصية مدفوعة الثمن؟!
للأسف غالبية شعوب العالم تتأثر بالإعلام، وأكثر ما نعاني منه اليوم هو أننا موهمون بأن إعلامنا وشخصياتنا وطنية.. ولنا في الصمت الذي رافق الكل في مرحلة إختيار المكلف الثاني، لكن عندما تم رفضه عادت الأبواق تخرج من جحرها مرة أخرى. نموذج واضح لللعبة والياتها.
عملية تمرير المكلف الجديد صعبة جداً، كما يرى مراقبون ولو أردنا أن نصحح خطأ سن ات سابقة، ونتخلص من سيطرة "السفارة" من جهة، وأوامر "الحاج" من جهة أخرى، ليتعافى هذا البلد.. فلابد أن تصحوا عقول شبابه، وأن ننسلخ من مجموعات التأثير الإعلامي، وننتمي لبودقة الوطن فقط.. عراق العمل والفكر والحضارة.. لا وطن الشعارات، عندها فقط يمكن أن تتحقق السلمية، ونختار ممثلينا في الأنتخابات القادمة بوعي.. إن حدثت.
ينشغل العالم الآن بجائحة كورونا، التي بدأت تفتك بالبشر، وأوقفت عجلة الإقتصاد لتفضح نظام الرأسمالية الفاشل، بينما بينة للعالم أن إنسانية الغرب مجرد حبر على ورق، فكوفيد 19 إستطاع لوحده أن يوقف عجلة الحياة، ويسقط الأقنعة عن الشعوب والحكومات..
كذلك أحتجاجات العراق لم تسلم من سيناريو الوباء، فبعد أن خرجت عن السلمية، وأصبحت الساحات حلبة صراع لشخصيات سياسية، وكل من يفرض رأيه في المشهد السياسي، يتجه لحرق الإطارات وقطع الطرق، حتى تطورت الأمور إلى نزاعات مسلحة أقتحمت على إثرها الساحات، فجاءت كلمة الفصل على لسان كورونا، وأوقفت كل شيء..
تزامن إنهاء التظاهرات مع إختيار المكلف الجدلي.. الزرفي تم تكليفه من قبل الرئيس العراقي دون الرجوع إلى قادة الكتل الشيعية عدا البعض، وهو ما أغضبهم، لأنه خرج عن سياقاتهم المعتادة، فالكل يعلم أن الرئاسات الثلاث في بلدنا، هي حق للمكون الشيعي، السني والكردي.. أما المواطن له أن يشاهد ما يحدث فقط.
أول سويعات التكليف كانت صادمة، فأعداء الأمس الذين أتهمُ المكلف بأنه يدير العنف في الساحات، ويمول المجموعات الراديكالية المنحرفة، اليوم يبتسمون له في قصر السلام! فما الذي يحدث؟
البيت السياسي الشيعي أقرب إلى إيران من أمريكا، لذلك عمد الأخير إلى تفكيك البيت الشيعي، وكسر عصاه في الشارع العراقي، فأصبح الأعلام هو الخيط الذي يحرك اللعبة، ويثير جمهور الجنوب ضد الحاكم المعمم.. كما يصفون، ليرسم صورة برغماتيه.. أن الحكم يدار من قبل الشيعة فقط.
أنطلت الحيلة.. و بلهجتنا الدارجة (الشيعة شالوا الليلة كلها) لتنطبع فكرة نمطية لدى المحتجيين، أن سبب خراب العراق، هم الكتل الشيعية فقط، لكن بهذه الفكرة لم تكتمل الأحجية، لأن جمهور الأحزاب لم يتأثر.. اللاعب الظل كان يجب أن يتدخل..
جمهور الأحزاب مؤمن أن حركة الأحتجاجات، هي لكسر عصى الحكم الجعفري، ولا يمكن أن يتأثروا إلا إذا أتضحت لهم عورة صاحبهم.. عندها رشح الرئيس برهم صالح، المكلف الأول ليكون اللاعب الظل، الذي يخترق جمهور الكتل ويفرقهم..
روج الأعلام على أن التكليف جاء بموافقة البيت الشيعي، وهو ما كان صدمة لجمهورهم، من كان عدوهم بالأمس أصبح اليوم مكلفاً من قبل أصحابهم!!
الخيوط في مسرح الدمى هي الأعلام، والمكلف هو الممثل الخفي، والمحتجين كانوا منساقين باللاوعي الشعوري لصالح العم سام، مخرج هذه المسرحية أمريكي بأمتياز.. مع منتج إيراني يخالفه بالتوجه.
لم يبقى من الحكاية سوى المشهد الأخير.. الذي ظهر به المخرج يتحكم بالدمى، أما المنتج ما زال يحاول تغيير النهاية، وغالبية الجمهور منقسم إلى مشجع للبيت الأبيض و آخر لجوامع طهران.
المكلف الجديد إذا مرر ستكون رؤية المخرج الأمريكي هي الأقوى، وأن لم يمرر بالبرلمان، فإن الحجي قد فعلها وخلط الأوراق عليهم، لكنه سيجعل نهاية المسرحية ضبابية معقدة، لا تحلها حتى الأنتخابات المبكرة.. إن حدثت.