
سمير عادل
تقوم الولايات المتحدة الامريكية بشكل تدريجي بتشديد العقوبات الاقتصادية على ايران وتنظيم حملة اعلامية ودبلوماسية لتبرير تحشدها العسكري وشحن الاجواء الحربية وفرض عسكرتاريتها على منطقة الخليج بذريعة وجود تهديدات لمصالحها وامن قواعدها وسفاراتها في المنطقة من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران وحليفاتها في المنطقة وتخفي هذه السياسة في طياتها احتدام الصراع والتنافس على الصعيد العالمي بين الولايات المتحدة الامريكية وبين القطب الصيني الروسي الذي يقف خلف االنظام الايراني.
ان كل تبريرات وذرائع الولايات المتحدة الامريكية بشيطنة منافسيها هي واهية وسخيفة وتبغي من ورائها الحفاظ على عدم تآكل نفوذها السياسي والاقتصادي لصالح روسيا والصين. واذا ما كان غزو العراق واحتلاله من قبل امريكا هدفه فرض نظام عالمي جديد احادي القطب، فأن سياسة الولايات المتحدة الامريكية اليوم في المنطقة هي لصد انحدار مكانتها ونفوذها العالمي ولكي لا يولد على أنقاض مشاريعها السياسية الفاشلة عالم متعدد الاقطاب.
يا جماهير العراق.. انكم جربتم مرارة وقساوة الحصار الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة الامريكية ومأساته، عشتم ايام حالكة في ظلامه، من حيث الجوع ونقص الادوية والتغذية، حيث قتل جراء ذلك الحصار اكثر من مليونين من اطفالكم، وقد دفع الحصار الاقتصادي الجائر ابنائكم للهجرة بحثا عن رغيف خبز من اجل البقاء يوما اخر على قيد الحياة عن طريق البحث عن العمل بشروط غير ادمية وانسانية في البلدان المجاورة، ورأيتم كيف ان مئات من الاسر ضحت بأطفالها، وتنامت معها عمليات الانتحار بسبب فقدان الامل بالحصول على فرصة عمل او الحصول على طعام يكفي
انكم جربتم الحروب وويلاتها، عشتم مرارة فقدان أعزاءكم، اختبرتم الحياة بالمهجر وفي المخابئ والخرائب هذا لو حالفكم الحظ ان تفلتوا من نيران الطائرات والاسلحة الفتاكة، شاهدتم كيف يموتون الاطفال في احضانكم او يدفنون تحت الابنية التي تقصف بوابل من القنابل، وما زالت احلامكم مغمسة بكوابيس الحروب والاحتلال الاخير للعراق.
ولو لا الحصار الاقتصادي والحروب والغزو واحتلال العراق، لما تسلط الحرامية واللصوص من الجماعات الاسلامية والقومية على رقابكم، ولما تحول العراق الى مرتعا الى مليشيات الاسلام السياسي والمخابرات الدولية من كل حدب وصوب وعصابات مافيا المخدرات والاعضاء البشرية وتجارة الجسد. لقد انتزعوا بالحصار الاقتصادي والحروب والاحتلال الروح الثورية والارادة الثورية منكم، نزعوا روح المقاومة، واحلوا محلها الياس والاحباط.
اليوم تريد الولايات المتحدة الامريكية وعن طريق تسويق نفس الاكاذيب الفاضحة لاحتلال العراق، بفرض سياسة الحصار الاقتصادي على اقرانكم من العمال وكادحي ايران. انهم يريدون بإعادة نفس التجربة وتكرار نفس المأساة كي تسلب بالنتيجة الارادة الثورية لعمال وكادحي ايران.
ان السياسات الامريكية من الحصار والحروب لا تجلب غير المأساة وتعمل ابدا على تقوية اسس الانظمة القمعية، وتعتبر تلك السياسات بطاقة يانصيب للأنظمة الحاكمة مثل الجمهورية الاسلامية بفرض استبدادها وقمعها وافقارها على الاغلبية المطلقة لجماهير ايران.
ومن الجانب الاخر ان شحذ الاجواء الحربية من شانها ان تعطي مبررات لحكومات المنطقة بفرض حالة الطوارئ ومصادرة الحريات تحت عنوان الحفاظ على الامن القومي والسيادة الخ من تلك الترهات.
ان اشعال فتيل حرب يعني تفجير الاوضاع في المنطقة وخاصة العراق الذي تريد ايران وامريكا بتصفية حساباتهما وتحويله الى ساحة للحرب بالوكالة.
يا جماهير العراق... ليس من مصلحتنا اشعال الحرب في المنطقة، ولا من مصلحتنا فرض الحصار الاقتصادي على عمال وكادحي ايران، بل يجب ان نقف صفا واحد وتشكيل جبهة عريضة وتنظيم مختلف الاشكال الاعتراضات والاحتجاجات ضد الحصار الاقتصادي على جماهير ايران وضد تشديد العسكرتارية الامريكية في المنطقة.
لتسقط السياسات الامبريالية الامريكية
عاش نضال الجماهير من حياة حرة كريمة وآمنة
سمير عادل
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي
10 ايار ٢٠١٩
كم سيحصل العامل في القطاع النفطي الذي تهدده الامراض السرطانية وحرمان أغلبية العمال من سكن لائق، فيما اذا تأسس اقليم البصرة، وكم سيساعد تأسيس الاقليم المذكور في تثبيت عمال العقود والاجور في قطاع الطاقة والكهرباء والبلديات لنيل مستحقات الضمان الاجتماعي ومخصصات الزواج والاطفال وبدل الخطورة اضافة الى حصولهم على معاشات تتناسب مع القدرة الشرائية في المجتمع، وكم سيحقق نفس الاقليم بدل او ضمان بطالة او فرصة عمل مناسب للآلاف المؤلفة من العاطلين عن العمل اناث وذكور لمن بلغ عمر او سن السادة عشرة!!!
منذ اكثر من عقد وهناك محاولات حثيثة من قبل فصيل من فصائل الاسلام السياسي الشيعي بتحويل محافظة البصرة الى اقليم مستندين على مبررات قانونية في الدستور تخول ثلاث محافظات او محافظة واحدة بتحويلها الى اقليم، ومبرر سياسي وهو الحيلولة دون استفراد الدولة المركزية وتقليم اضافرها ومنعها من ان تتحول الى دولة استبدادية مثلما كان العراق قبل الغزو والاحتلال اي قبل عام ٢٠٠٣.
بعد اجتياح الاحتجاجات الجماهيرية ومنذ شباط ٢٠١١ ضد كل اشكال الفساد الاداري والمالي والسياسي وغياب الخدمات والبطالة ضد حكومات الاسلام السياسي سواء في المركز او الحكومات المحلية في المحافظات، كانت البصرة بأقضيتها ونواحيها ومركزها واحدة من قلاع تلك الاحتجاجات، حاول جناح من اجنحة الاسلام السياسي استغلال الغضب والسخط الجماهيري لحرف الانظار عن رموز الفساد والقوى السياسية المنتمية لها لتقوية الدعوة الى المطالبة بتأسيس اقليم البصرة، مبررة اياه ان المركز وراء عدم توفير المخصصات المالية للمحافظة وانفاقها على الخدمات. لندعو القارئ ان يستنتج بنفسه صحة تلك المزاعم بالأرقام، فقد بلغ حصة البصرة من تنمية الاقاليم ٤٦٨ مليار دينار من الموازنة المالية المركزية حتى عام ٢٠١٤ ، ويضاف اليها ٥ دولار لكل برميل نفط حسب قانون رقم ٢١ للمحافظات المنتجة للنفط عام ٢٠٠٨ والتي سميت بـ (بترودولار) الى جانب ٥٠٪ من ايرادات المنافذ الحدودية بما فيها الميناء الذي تضاهي ايراداته مدخولات النفط. ولم تخفض ميزانية البصرة الا بعد اعلان سياسة التقشف من قبل حكومة العبادي بعد ان سلم سلفه المالكي خزينة العراق فارغة اضافة الى تسليم ثلث مساحة العراق الى عصابات داعش. وقد خفضت ميزانية البصرة من تنمية الاقاليم في اجتماع مجلس الوزراء في ١٨ تشرين الاول من عام ٢٠١٥ الى ١٣٦ مليار دولار وتخفيض حصتها ايضا من ٥ دولار الى دولار واحد عن بيع برميل النفط الخام، في حين ابقى على حصتها ٢ دولار على انتاج ١٥٠ متر مكعب من الغاز و٢ دولار ايضا الى النفط المنتج في مصافي المحافظات.
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه، اين هي الاموال المتحصلة خلال كل تلك السنوات، والتي خرجت جماهير البصرة عن بكرة ابيها يوم ٧ ايلول ٢٠١٨ في احتجاجات ضد انعدام مياه صالحة للشرب وانهيار كل اشكال الخدمات، والقطط والكلاب السائبة تصول وتجول في عدد من المستشفيات، وبطالة تنهش بأكثر من ٣٠٠ الف عاطل عن العمل ومدينة تزينها اكوام من الزبالة والنفايات؟ اين تلك الاموال من توظيف العاطلين عن العمل او على الاقل تأمين الحد الادنى لبقائهم احياء حتى توفير فرصة عمل عن طريق منح تخصيص ضمان بطالة لهم في الوقت الذي بلغ انتاج النفط في البصرة يوميا اكثر من ١٠ مليون دولار ، اذا افترضنا ان الانتاج يبلغ كحد ادنى ٢ مليون برميل يوميا منذ عام ٢٠٠٨ حتى عام ٢٠١٥ وتحصل البصرة على ٥ دولار من بيع برميل واحد من النفط، اين بدلات الخطورة التي يجب ان تدفع للعاملين في القطاع النفطي وتكاليف العلاج من امراض السرطان تساوي قيمة بيع عقار او عقارين لتوفيره، هذا ناهيك عن المصادر الاخرى التي يستحصل منها الاموال كما ذكرنا.
في الحقيقة ان الاجندة التي تقف وراء ذلك المشروع المشبوه هو صراع الاطراف مع المركز على نهب وارادت النفط والمنافذ الحدودية وعقد الصفقات التجارية والمالية والاقتصادية مع شركات ومؤسسات اجنبية حسب ما ينص عليها المادة (١٢١) من البند الرابع من الدستور، تخصص مكاتب للمحافظات والاقاليم في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية. انه صراع جناح من اجنحة الاسلام السياسي المتمثل بحزب الفضيلة مع بقية الاجنحة الاسلامية الاخرى مثل المجلس الاعلى والتيار الصدري وحزب الدعوة وبدر بجميع اقسامه للاستحواذ على ما يمكن من ثروات المجتمع. ان رفض المالكي في ولايته الثانية لمشروع اقليم البصرة كما هو رفض اقسام من الاسلام السياسي الشيعي اليوم مرهون بحجم حصة كل طرف من الاموال المنهوبة في حالة تأسيس الاقليم من عدم تأسيسه. وهنا تكمن السخرية عندما يقود المشروع صباح البزوني رئيس مجلس المحافظة المنتمي لحزب الدعوة جناح المالكي والذي اعتقل بتهمة تلقيه رشاوى، ليطلق سراحه ويظهر هذه المرة قائدا لمشروع تأسيس اقليم البصرة. وهذا يوضح بشكل لا لبس فيه، ان كل طرف يرى مصالحه من خلال الحصة التي يحصل عليها وعليه يحدد موقفه من مشروع تأسيس الاقليم. اما ما سيحصل عليه العامل سواء كان يعمل او عاطل عن العمل فليس في وارد او حسبان اي طرف.
وعليه ان مشروع تأسيس الاقليم كتحصيل حاصل هو مشروع لذر الرماد في العيون وحرف الاحتجاجات الجماهيرية من اجل توفير الخدمات والقضاء على الفساد والبطالة عن مسارها الاصلي. انه مشروع جديد للنهب والسلب، فلن يغير من واقع العامل المعيشي والحياتي، ولا من واقع المدينة، انه لا يؤدي الا الى ازدياد بؤسها وفقرها، لذا علينا ان نحافظ على صفنا المستقل وعدم السماح لتحريف توجه نضالنا نحو تحقيق مطالبنا العادلة المتمثلة بتوفير الامان وضمان بطالة او فرصة عمل وتوفير الخدمات.
اذا ما تذكرنا تصريح نوري المالكي الذي شغل نائب رئيس الجمهورية قبل سنيتن ورئيسا لوزراء لولايتين متعاقبتين، بأن اهل الموصل كلهم دواعش، فمن اليسير على المرء التوصل الى ان سبب غرق العبارة وموت اكثر من ١٠٠ شخص لا يقف عند حدود الفساد الاداري والفشل الحكومي على جميع الاصعدة في حماية سلامة المواطنين.
التسابق بين الرئاسات الثلاثة وسماسرة العملية السياسية امثال النجيفي وغيره بتنظيم الزيارات الى الموصل وإطلاق التصريحات الدعائية وتنظيم المؤتمرات الصحفية وايجاد كبش فداء لتحميل مسؤولية كارثة العبارة تصب في خانة المزايدات السياسية للبحث عن الفرص في ايجاد موطئ قدم عند اجراء عمليات نهب الاموال اثناء فتح ملف مناقصات اعمار الموصل.
ان كارثة العبارة هي تحصيل حاصل لما حدث لمدينة الموصل منذ تشكيل قيادة عمليات نينوى بزعامة المالكي وتنظيم حملات الاعتقالات العشوائية وتعذيب المعتقلين وتغييبهم واخذ الاتاوات من اهالي المدينة واطلاق العنان لكل اشكال المافيات والعصابات بالنهب والسلب دون اي رادع وترك الحبل على الغارب لمجلس محافظة نينوى ومحافظها آنذاك برئاسة احد الاخوين النجيفي، لتحكم بمقدراتها الامنية والسياسية والمالية. ان اهالي مدينة الموصل الذي يبكون عليهم اليوم بدموع حتى لا تشبه حتى دموع التماسيح، قد امطر على رؤوسهم الاف الاطنان من القنابل والصواريخ والرصاص من قبل التحالف الدولي وبغض الطرف اذا لم نقل بمباركة حكومة العبادي، بيد ان الفارق بين الحالتين، هو انه في حالة التحالف، كان يدفن الاحياء وتدمر البنية التحتية لإحلال بشر جديد بعقول مشوشة ومذهولة من شدة كارثة رعب الحرب واهوالها كي توافق على دفع ثمن قتل سلفهم واعادة اعمار ما دمر من عمليات نهب جديدة، اما في حالة العبارة، التي اتت كبطاقة يانصيب لكل من سارع بالحضور للمشاركة بتنظيم سوق عكاظ للدعاية السياسية، فكل شيء جاهز لقص الشريط واكمال ما بدأتها حكومة العبادي والتحالف الدولي.
ان فلسفة وجود الاخوين النجيفي والعاكوب وغيرهم من الفاشلين حتى في حياكة وادارة المؤامرات الاقليمية وتدوير الفساد المالي والسياسي، تكمن في الظلم الطائفي، الذي يمارس بأشكال مختلفة على سكان الموصل وكل المنطقة الغربية. ان سلطة الاسلام السياسي الشيعي في بغداد سعيدة بوجود أولئك الفاسدين في ادارة الموصل وغيرها من المدن اكثر من سعادة نفس الفاشلين بوجودهم في العملية السياسية.
ان توقيت ارتفاع الاصوات بإخراج قوات الحشد الشعبي من المدينة مع حادث العبارة من قبل الاخوين وشركائهم لا يرتبط بأنهاء سياسة التشيع التي تحاول الاول فرضها منذ طرد داعش من المدينة بقدر ارتباطها بمساعي استفراد الاخوين وشركائهم بمقدرات وثروات المدينة. ولا نستبعد ابدا استغلال كارثة العبارة من قبل من نصبوا انفسهم قيمين على "عرب السنة" بأحياء الدعوة الى تقسيم العراق الى فدراليات طائفية وقومية، اوليس اسامة النجيفي نفسه وفي فترة الولاية الثانية للمالكي واثناء زيارته لواشنطن طالب بتقسيم العراق الى فدراليات طائفية تنفيذا لقرار غير ملزم عام ٢٠٠٥ للكونغرس الامريكي بعنوان مشروع بايدن. حينها كان الامل يدفأ صدور العروبيين، فأدانوا وشجبوا واستنكروا "القرار". وكان الزي القومي يحتفظ بما تبقى من بريقه على الاقل في مخيلة الواهمين والحالمين، معلقين امالهم على مقاومة الاحتلال والانظمة القومية العربية وخوفها من التمدد "الفارسي"، وقبل ان يخفت ذاك البريق الى دون رجعة، ويدركوا قبل فوات الاوان ان عصر الايديلوجية القومية العروبية قد ولى، باتت اطلالة الطائفية تزين المنطقة، فسارع جميع رموز القومية العروبية بارتداء اللباس الطائفي، املا بالعودة الى السلطة التي أصبحت بعيدة المنال، او على الاقل بالحصول على فتات الامتيازات والنفوذ قبل ضياع الفرصة والى الابد.
وفي الجانب الاخر، تصك ذئاب المضاربين في بورصة الطائفية الاسنان امثال داعش والقاعدة والفئران التي ستولد منها، وستنفخ في الجمرة التي لم تطفئها اي قوة، بل غير مستعدة ان تطفاها لانها ستخسر كل ما اكتنز خلال سنوات ترسيخ السلطة الطائفية في العراق. فسيكون "عبارة الموت" كما سماها الاعلام بالنسبة لأولئك الوحوش يعادل جريمة الحادي عشر من ايلول بالنسبة لمحافظين الجدد امثال بوش وتشيني الذين قاما بغزو العراق.
ان موت اكثر من ١٠٠ انسان في حادثة العبارة، هو جريمة منظمة مثل سائر الجرائم التي ارتكبت بحق سكان الموصل. وليس الاهمال وعدم مراعاة قواعد السلامة الا سياسة منظمة للتخلص ممن الصق بهم تهمة دواعش دون ان تترك البصمات ورائها، ولا تقل درجة عن جرائم التحالف ولا جرائم داعش ولا جرائم قيادة قوات نينوى سابقا. فلم تنته عملية انتشال الجثث من تحت الابنية المدمرة في الموصل القديمة، ليضاف اليها البحث عن جثث المفقودين وانتشالها في مياه الدجلة.
ان كارثة العبارة ستتكرر ولكن بسيناريوهات مختلفة ما لم يتم اقصاء ــ عن حياة جماهير الموصل وكل المنطقة الغربية ــ كل من تغذى على الظلم الطائفي، وايقاف إعادة انتاج كل ابطاله بأشكال مختلفة للمشاركة والمساهمة في الحكومة المحلية. ان اقالة العاكوب محافظ الموصل ونائبيه كما قرر البرلمان لن يحل الامن والسلامة في الموصل، انها عملية لتحريف الانظار وذر الرماد في العيون عن السبب الحقيقي لما آلت اليها الاوضاع في الموصل، وسرعان ما سينصب في وظائف هؤلاء اشخاص من امثال العاكوب والنجيفي والحلبوسي...
تصريح سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي
حول غرق اكثر من ١٠٠ شخص في الموصل
لا يمر يوما على العراق الا وهناك أكثر من حادث مروع يدمى له القلب، يأتي ذلك بسبب تقاعس وفشل جميع المؤسسات الحكومية المركزية والمحلية في حماية امن وسلامة المواطنين.
ان غرق اكثر من ١٠٠ شخص في مدينة الموصل في حادث مأساوي ليس له اية علاقة بالإرهاب، بل له علاقة بتنصل المسؤولين الحكوميين على الصعيد المحلي والمركزي وخاصة في حقلي السياحة والنقل بمتابعة ومراقبة جشع اصحاب الشركات التي تتولى ادارة المراكب المائية لغرض السياحة وبعدم مراعاة اية قواعد للسلامة، وهذا يفصح عن جفاف الضمائر الانسانية لأولئك المسؤولين وعدم قدرتهم على ادارة اية مسؤولية تجاه المجتمع، باستثناء ادارة السرقات والنهب والصفقات المشبوهة وامتهان الفساد الاداري والمالي والسياسي بحرفية عالية والتفنن بالكذب والنفاق والظهور امام عدسات الكاميرات لأغراض الدعاية والتسويق لمشاريعهم الوهمية.
ان المنهج السياسي والاداري في ادارة الحكومة على الصعيدي المحلي والمركزي كان وراء تسليم الموصل الى عصابات داعش وارتهان حياة ومصير مليونين انسان بيد تلك العصابات، وهو نفس المنهج الذي اودى بحياة ١٠٠ انسان من مختلف الاعمار واغلبهم من النساء والاطفال الذين خططوا لأول مرة بعد انقشاع ظلام داعش عليهم كي يتنفسوا الهواء ويستنشقوا القليل من رائحة الحياة، وإذا بهم يلقون حفتهم الذي لم يكون اقل مأساويا من اقرانهم وذويهم في ظل خلافة داعش الاجرامية.
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي في الوقت يعزي اهالي وذوي ضحايا تلك المأساة ويشاركهم آلام فقدان محبيهم، فانه وبنفس الوقت يحمل الحكومة المحلية في الموصل بالدرجة الاولى ابتداء من محافظ الموصل وانتهاء بالقيمين على هيئة السياحة والنقل مسؤولية تلك المأساة التي تصل الى مصاف جريمة ارهابية بحق، كما ويطالب كل القوى الانسانية والتحررية بالضغط السياسي والاعلامي لإقالتهم، واحالة كل من تسبب في هذه الجريمة وخاصة ادارة الشركة التي تدير ذلك المركب الى المحاكم الى جانب تعويض جميع المتضررين من ذوي الضحايا.
سمير عادل
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمال العراقي
٢٢ اذار ٢٠١٩
اصبح شعار "القضاء على الفساد" او "الحرب على الفساد" لا يستهوي احدا، ولا بإمكانه تعبئة الشارع، او لنقلها بصراحه ولا بالامكان ذر الرماد في العيون، او حتى يمكن ان يأخذه اي انسان بسيط على محمل الجد كما كان قبل ثلاث ولايات لسلطة حزب الدعوة الذي قاد الاسلام السياسي الشيعي بمهنية عالية في ادارة الفساد السياسي والمالي والاداري بامتياز. وكما ذكرنا في اكثر من مناسبة ان الفساد صفة ملازمة للدولة البرجوازية منذ نشوئها، وتبين التقارير السنوية والدورية لمنظمة الشفافية الدولية، انه ليس هناك بلد في العالم يخلو من الفساد في اعلى هرم السلطة وما دون ولكن نسبته تختلف من بلد الى اخر. العراق يسجل مرتبة متقدمة بملف الفساد في العالم ويحتل مركز ١٦٨ في قائمة ١٨٠ دولة لعام ٢٠١٨، ويعتبر الفساد احد عوامل افقار المجتمع، حيث تنهب الميزانية السنوية بشكل سرقة مشروعة وغير مشروعة والتي تقدر بالمليارات من الدولارات، ظاهرة سائدة في الدول الفاشلة اذا اعتبرنا ان هناك دولة في العراق بالمعيار القانوني والسياسي.
ان سلطة الاسلام السياسي التي تمثل اليوم الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق، تحاول تمرير اكبر خدعة للتمويه على فسادها وعدم جديتها بالقضاء على الفساد او التقليل من نسبة الفساد كإثبات حسن نية على الاقل امام الجماهير. ان الفساد مرتبط عضويا بالسلطة السياسية القائمة في العراق ولا يمكن فصم عراه. ومن الوهم والحماقة ان يصدق المرء ادعاءات عادل عبد المهدي بالقضاء على الفساد عن طريق تشكيل "المجلس الاعلى للقضاء على الفساد". ان تشكيل هذه المؤسسة بحد ذاتها تصب في خانة الفساد. ان تضخيم المؤسسات الحكومية واضافة كل يوم ملاحق لها هي جزء من سياسة الفساد اليومية التي تمارسها السلطة في العراق. وهي عملية تشكيل جيش من الموظفين التابعين للسلطة يجلسون وراء مكاتبهم ويتقاضون معاشات عالية ووظيفتهم الاساسية تقوية السلطة الفاسدة وادامة حكمها. فاذا ما تمعنا بعدد المؤسسات المعنية بالقضاء على الفساد فالمرء يستنتج دون عناء اي خدعة تمارسها هذه السلطة على الجماهير حيث تسرق جيوبها لتعطيها الى سلك الموظفين في تلك المؤسسات. انظر الى تلك المؤسسات؛ ديوان الرقابة المالية، لجنة النزاهة البرلمانية، مكاتب المفتشين العموميين، هيئة النزاهة واخيرا المجلس الاعلى للقضاء على الفساد. وكل هذه المؤسسات تعين الموظفين حسب المحاصصة الحزبية التي اساسها محاصصة طائفية وقومية. ان هذا الجيش من الموظفين هم الذين يشكلون الدواوينية او البيروقراطية، حيث يجلسون وراء مكاتبهم ويقدمون تقاريرهم مقابل استلامهم للملايين من الدولارات المسلوبة، اما من عرق العمال في القطاعات الانتاجية والخدمية او عن طريق السرقة الرسمية من الميزانية. هذا ناهيك عن جيش الموظفين في الرئاسات الثلاث، والمؤسسات الدولية التي تكلف من قبل الحكومة بأعداد التقارير عن حجم الفساد في العراق. وبينما هم يسرقون في وضح النهار، يسلطون آلتهم الدعائية على العمال والموظفين العاملين في المؤسسات الحكومية لتسريحهم من العمل بذريعة انهم يثقلون ميزانية الدولة ودون ان يؤدوا اي عمل!، في الوقت الذي يجب ان ينعم كل مواطن عراقي بخيرات النفط وثرواته الطبيعية سواء عمل او لم يعمل. ان الاطفال في الدول المتقدمة يتلقون مبلغا شهريا يتراوح بين ٣٠٠-٥٠٠ دولار من اجل تغطية حاجاتهم من التغذية حتى بلوغ سن السادسة عشرة، بينما اطفالنا يعملون في الشوارع والازقة ويبيعون المناديل الورقية والمياه المعدنية ويصبغون الاحذية، ويتعرضون للتحرش الجنسي وحر الصيف وامطار وبرد الشتاء.
ان عادل عبد المهدي كسلفه العبادي يصف الفساد، والاول شخص ٤٠ عنوانا له اي لمنافذ الفساد في حديثه الاخير حيث ذكر؛ تهريب النفط، وملف العقارات، والكمارك، المنافذ الحدودية، وتجاره الذهب وتهريبه، السجون ومراكز الاحتجاز، السيطرات الرسمية وغير الرسمية، المكاتب الاقتصادية في المؤسسات والمحافظات والوزارات، تجارة الحبوب والمواشي، التهرب من الضرائب، الاتاوات، مزاد العملة وتهريبها الى الخارج، ملف السجناء، ملف الشهداء، التقاعد، المخدرات، تجارة الاثاث، الزراعة والاسمدة والمبيدات، توزيع البطاقة التموينية، الايدي العاملة الاجنبية، توزيع الادوية، الاقامة وسمات الدخول، الكهرباء، تسجيل السيارات والعقود والارقام، العقود الحكومية، الرعاية الاجتماعية، بيع المناصب، السلف المالية المصرفية، التعيينات. ولكنه تناسى ان يضيف ملف الدواوينية الذي يعج بالموظفين الذين يمنحون براءه ذمة لكل هذه العناوين وكل حسب ربحه وحسب عمولته، هذا اذا لم يكونوا شركاء معهم بأشكال مختلفة.
ان عناوين الفساد التي اشار اليها عبد المهدي تفضح ادعاءات قوى الاسلام السياسي الشيعي في تسويق نفسها بأنها اعطت الصلاحية لعبد المهدي كي يختار وزرائه ويشكل حكومته.
والجميع انبهر من السرعة الفائقة التي وافقت الكتل السياسية في البرلمان عن الوزراء التي اختارهم عبد المهدي باستثناء الداخلية والدفاع والعدل. ففي الحقيقة ان قوى الاسلام السياسي باتت لا تحتاج الى المناصب الحكومية بعد تغلغلها الى جميع المؤسسات، وتشكيل مافياتها ونفذت الى كل العناوين التي اشار اليها عبد المهدي، في حين وقفت حجر عثرة في طريق اختيار وزيري الداخلية والدفاع والعدل. ان السر وراء الصراع على تلك الوزارات هو بعد ان سيطرت تلك القوى على منابع الفساد واكتنزت وراكمت الرأسمال لتأسيس شركاتها ومؤسساتها الاقتصادية والمالية خلال حكومات حزب الدعوة، وما تحتاجه اليوم هي الحماية الامنية والقانونية وترسيخ سلطتها السياسية.
ان تشكيل جيش او طبقة من كبار الموظفين التي تعني الدواوينية او البيروقراطية الحكومية هي روح الدولة البرجوازية. ولذلك ان تضخيم الجهاز الحكومي بالملاحق والمؤسسات الزائدة هي سياسة ممنهجة وتصب في خانة توسيع رقعة الفساد وليس القضاء عليه. وهذا يفسر لماذا يدافع اكثر من نصف اعضاء البرلمان عن الإبقاء على مكاتب المفتشين العموميين بدلا من الغائها.
ان تراجع مكانة المرأة وارعابها واعادتها لملازمة البيت وتحويلها الى عبودية العمل المنزلي لا تقف ورائها قوة اليمين في المجتمع المتمثل بسلطة الاسلام السياسي وميليشياته التابعة له او المنضوية تحت ستار العشائر، بقدر ما يعود الى ضعف اليسار على صعيد التنظيم السياسي. وهنا لا اقصد" اليسار" على صعيد تحالف الاحزاب اليسارية التي هي اما احزاب ومنظمات ليست لها علاقة بالمجتمع، اذ نراها منشغلة بالصفاء الفكري وغارقة بالنرجسية والمزاجية والتي تبحث على التقاط صور خلف لافتة او شعار من شعاراتها كي تتنفس الصعداء من الغبار الذي غطى على تاريخ الانتصارات الوهمية التي لا يتجاوز اطاره الذهني كي يصيبه بالتالي الشعور بالزهو البرجوازي الصغير ونشوة الاخلاص الأيديولوجي، بينما المرأة في العراق تطحنها كل اشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني، كذلك نرى الطائفية في كل صراع على النهب والسلب تطل براسها على المجتمع، والترهات القومية ترفع قامتها عند اعادة تقاسم النفوذ والامتيازات، والتفاهات والسخافات العشائرية تسل سيفها الصدئ في كل نزاع وراءه اتاوة . أما ما نقصد باليسار هو اليسار الاجتماعي كتقاليد مدنية ومتحضرة وانسانية تزيح من مكانها كل الاعراف والقوانين والتقاليد المتخلفة والرجعية بالمعنى المطلق لهذه المقولات.
ان تأريخ المجتمع العراقي الحديث هو تاريخ الصراع بين يسار المجتمع ويمينه، بين كل ما يمت صلة للانفتاح والانعتاق والتحرر من القيم والثقافة المتخلفة من ذكورية وطائفية وقومية وبين فرض اعراف وافكار القرون الوسطى وتسويقها على انها جزء من التقاليد المجتمع العراقي. لا نريد ان نخوض في صفحات التاريخ كي نثبت صحة ما نقوله فليس هناك مساحة تكفي لذلك، ولكن نورد فقط هزيمة قرار ١٣٧ لمجلس الحكم وبعد ذلك ما تلاه من فشل بتمريره في (البرلمان) تحت عنوان القانون الجعفري، وهذا واحدة من تلك الامثلة، وظهور النساء بعد هبوب نسيم الثورتين المصرية والتونسية على المنطقة بما فيها العراق في انتفاضة شباط من عام ٢٠١١ وبعد ذلك في احتجاجات البصرة التي وصلت ذروتها في ٧ ايلول ٢٠١٨ وقد انظمت المئات من النساء الى تلك الاحتجاجات اضافة الى دورهن بشكل عملي بدعم التظاهرات، حيث شكلن الفرق الطبية وفرق جمع التبرعات لدعم مطالب المحتجين بنيل حياة حرة وكريمة. وكان رد فعل اليمين باختطاف الناشطات من قبل المليشيات وتصفية عدد منهن لإعادة المرأة من جديد الى المنزل.
في الثامن من اذار هذا العام، تبين ان يسار المجتمع العراقي مازال موجود، وما زالت تقاليده راسخة، ومازال يقاوم من اجل وجوده. وخلال اكثر من اسبوع من حملة اعلامية وسياسية اطلقتها قوى تحررية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ولصق البوسترات وتوزيع اوراق دعائية في شوارع بغداد، وفي ثلاثة ايام من الفعاليات المتنوعة من تنظيم ندوة سياسية حول الحركة النسوية ومسيرة التحقت بها المئات من النساء والرجال الاحرار تجول في شارع الرشيد وسط مدينة بغداد لتنتهي في اليوم الثالث بتنظيم كرنفال كبير في دار الازياء تضمن افتتاح معرض للفنون التشكيلية حول واقع المرأة وافتتاح معرضا للكتاب وبعد ذلك مهرجان خطابي وعرض مسرحية والقاء القصائد والاشعار لينتهي بعزف الفرقة الموسيقية والقاء الاغاني، وقد سجل الحضور من النساء في افتتاح المهرجان نصف عدد الحاضرين من الرجال. ان مشاركة المئات من النساء في هذا اليوم، يوم المرأة العالمي لم يشهدها على الاقل تاريخ المجتمع العراقي منذ غزو العراق واحتلاله وتسليم المجتمع الى براثن الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني.
ان محاولات تزييف الوعي وتشويهه لم يقتصر على الاسلام السياسي، بل حاول البعث من قبل، لوي عنق المجتمع وفصل نضال المرأة في العراق عن نضال المرأة العالمي، فلقد اختلق بدعة ٥ اذار وبعنوان "يوم المرأة العراقية" لضرب مساواة المرأة عرض الحائط وحصر دورها في تنفيذ مشاريعه القومية واداة سياسته الفاشية المناهضة ليست للمرأة فقط بل لعموم الانسانية برمتها في العراق، ولا داعي لفتح سجل جرائمه فالجميع يعرف ذلك. لكن ما يهمنا هو تسليط الضوء على ان مساعي البعث لم تختلف عن مساعي الاسلام السياسي بقلع الوعي الاجتماعي اليساري او كما يحلو ان يسموه باجتثاث الوعي اليساري على غرار عملية اجتثاث البعث. فالاسلام السياسي الشيعي كما حاول ان يبدع في عملية "الاجتثاث" للبعث حاول ان يعيد تجربة الاجتثاث للوعي الاجتماعي اليساري في العراق، وليس ضرب المرأة واعادة مكانتها القهقري الى الوراء الا واحدة من عمليات ذلك الاجتثاث.
ان الفارق بين عملية اجتثاث "البعث" وبين عملية اجتثاث الوعي الاجتماعي اليساري، هو ان الاول وضع له اطار قانوني ومرر عبر البرلمان، في حين ان الثاني وضع له اجندة غير رسمية وعبر ميليشياتها الممولة من عمليات سلب ونهب ثروات الجماهير لتصفية النساء وارعابهن الى جانب اعلان الحرب العلنية وعبر قادتها الرجعيين، على العلمانية وتسفيهها والادعاء بمساواة العلمانية بسلطة البعث كما نَظّرَ لها المالكي ومستشار الخامنئي عندما زار بغداد عشية الانتخابات التشريعية في العام الفائت.
ان ما يمكن اثباته وبشكل مادي ودون اي خلاف هو ان الوعي الاجتماعي الانساني في المجتمع العراقي، كان وما زال اقوى من كل مخططات الاحزاب والقوى الاسلامية وبمختلف تياراتها وتلاوينها ومشاربها وداعميها الاقليميين والدوليين، واقوى من سلاح ميليشياتها وعصاباتها التي فشلت بنقل الوعي الطائفي الزائف والمقيت الى الوعي الاجتماعي في المجتمع. وهكذا ان نضال المرأة لا يمكن فصله عن الوعي اليساري الاجتماعي ولا يمكن فصله عن يسار المجتمع. فبقدر ما يقوى هذا اليسار تقوى سواعد واشتداد نضال المرأة الى الامام. ان هذا الوعي المتجذر في عمق المجتمع يبدو خاملا وساكنا. اي ان كل ما يحتاجه المجتمع هو تحريك هذا الوعي وإيقاظه من سكونه، انه موجود لكن بحاجة الى تنظيم وقيادة وافق، وهو مفتاح نقل العراق الى بر الامن والامان، بر الحرية والرفاه.