سمير عادل

سمير عادل

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ليس امام المسؤولين في إيران لمواجهة الانتفاضة الجماهيرية التي تعم معظم المدن الإيرانية، والحيلولة دون تحولها الى ثورة تقلع النظام الإسلامي من الجذور، سوى سيناريو واحد، الا وهو عسكرة الانتفاضة، بعد فشل كل اليات القمع التي تستخدمها بكل وحشية سافرة. 

ومن هذه الزاوية يجب النظر الى القصف المتواصل من قبل القوات الإيرانية على قرى ومدن كردستان العراق، بحجة وجود جماعات مسلحة ومدعومة من إسرائيل وامريكا، اضافة الى محاولات النظام الإسلامي في ايران لتقديم شكوى الى مجلس الأمن قبل أيام يطالب فيها بإدانة الجماعات المسلحة القومية الكردية والوقوف بوجهها، بذريعة تورطها بالقيام بعمليات ارهابية في ايران، وانها تقف خلف الاحتجاجات، وما هذه المحاولات سوى جزء من استراتيجية قمع الانتفاضة، عبر خلط الأوراق، والعمل دون اتساع حجم التضامن العالمي مع نضالات جماهير ايران من اجل الحرية والمساواة، وبموازاة ذلك وفي نفس السياق أيضا، ان الإعلان عن رفع تخصيب اليورانيوم الى ٦٠٪ وبغض النظر عن صدقيته (حيث شكك به البيت الأبيض) ورفع التصعيد مع الوكالة الطاقة الذرية، هو عملية أخرى لتحريف الأنظار وخاصة الاعلام العالمي عن ما يدور في ايران، للانفراد بممارسة القمع دون وصول اصدائها الى العالم.

 

بمعنى اخر ان النظام الإسلامي في إيران يحاول إعادة إنتاج سيناريو سورية، لخلق الذرائع والارضية المناسبة لعسكرة المجتمع وبالتالي كي تسنح الفرصة لها لقمع الانتفاضة، ولا يهمه حجم الخسائر البشرية وعدد القتلى في صفوف جماهير إيران، لكن المهمة الاصلية هو الاحتفاظ بالسلطة.

 

بوصلة السياسة الغربية والانتفاضة:

 

ان بوصلة السياسة الغربية، لا تشير لحد الان الى دعم اسقاط النظام الإسلامي في ايران، حيث ان  كل العقوبات التي صدرت سواء من الإدارة الأمريكية او من الاتحاد الأوربي، او اصدار قرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق من قبل مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تصب في اتجاهين متعاكسين، الأول محاولة ابتزاز النظام الإسلامي وجره للتوقيع على الاتفاقية النووية وتقليم أظافره في المنطقة وتقويض نفوذه، أما الاتجاه الآخر هو  رسم خط رجعة له، في حال تحولت الانتفاضة في إيران إلى ثورة  تنهي وجود النظام الاسلامي، ويسمح له بالتدخل في رسم سيناريو لتشكيل سلطة موالية لها تحت عنوان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

 

وفي كلا الحالتين لا تتجاوز السياسة الغربية دائرة الانتهازية، ولا تهمها مصالح جماهير إيران بنيلها الحرية والمساواة والكرامة والتخلص من كابوس الجمهورية الإسلامية ووحوشها الكاسرة، وتبين التجارب التاريخية وخاصة مع السياسة الامريكية واقعية ما نشير اليه، وأقرب مثال لنا هو تسليم أفغانستان الى طالبان على طبق من ذهب، او تعويم الأحزاب الإسلامية في العراق بعد احتلاله ووضعها على دفة السلطة السياسية.

 

بشكل آخر نقول، أن السياسة الغربية وتدخلها بأشكال مختلفة، لا تخدم الانتفاضة في إيران ولا تدعم نضال الجماهير، بل ان تلك السياسة من شأنها أن تطلق ايادي وحوش الجمهورية الإسلامية للتنكيل المطلق، وتحت يافطتها المهترئة مثل تدخلات الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية والشيطان الأكبر.. الخ من تلك الترهات، مثلما بينتها أبواق المأجورين فيما يسمى بـ “المقاومة والممانعة"، تتحدث بأن الغرب يحاول منذ الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه بأسقاط الجمهورية الإسلامية، متناسين بكل صلافة ووقاحة، هو ان الغرب نفسه الذي أوصل الخميني الى السلطة وعلى متن الخطوط الجوية الفرنسية ليحط في طهران، وحوله الى نجم في سماء الثورة لمواجهة مد اليسار العمالي والاشتراكي في ثورة ١٩٧٩. 

إذا أراد الغرب المتمثل بالإدارة الامريكية والاتحاد الأوربي تقديم أي شكل للعون لجماهير إيران ونضالاتها الجسورة، عليه بالكف عن التدخل في شؤون إيران، فالجماهير لم تنتظر صافرة الانطلاق من الغرب لبدء الانتفاضة، ونساء إيران لم تنتظر ايعازا من الغرب لترفع شعار (المرأة-الحياة-الحرية) وتجر كل المجتمع إليها.

 

وفي هذا المضمار أن التدخل الغربي في شؤون الانتفاضة، من الممكن ان يشارك أيضا في اعادة انتاج سيناريو سورية في إيران، والذي كان طرفا فعالا ونشطاً على الصعيد السياسي والدعائي والدعم العسكري لكل العصابات الإسلامية وغيرها في سورية. أي ليس ببعيد عندما  يحين النظام الإسلامي في إيران الى السقوط وتهرع حلفاء إيران مثل روسيا والصين بالتدخل لإنقاذ النظام، يلجا الغرب أيضا بنفس السياسة التي قامت فيها في سورية، أي أن كل الاحتمالات قائمة وحاضرة في ذهن صناع السياسة الغربية في المنطقة.

 

على الصعيد الاخر حاولت الأحزاب القومية الكردية الإيرانية، ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة بٌعيْدَ قتل مهسا اميني، إضفاء الطابع القومي على الانتفاضة، وتأطير الانتفاضة بأطار قومي، وتعريف (مهسا اميني) بأنها مناضلة كردية من مدينة (سقز) الواقعة في كردستان إيران، إلا ان الانتفاضة وروحها كانت أكبر من مخططات وامنيات واحلام الأحزاب القومية، لتصل الى جميع المحافظات والمدن الإيرانية، ويرفع الشعار المذكور (المرأة-الحياة-الحرية) لتلتف حوله كل جماهير إيران .

 

ان هذه الأحزاب القومية، لن تتورع هي الأخرى التي فشلت لحد الآن بإيجاد موطأ قدم لها في الانتفاضة، كما هو حال القوميين الاخرين الفرس او الموالين لشاه، هذه الجماعات القومية الكردية لن تتردد هي الأخرى عن  عسكرة الانتفاضة، وان أي سيناريو اسود للوضع السياسي في إيران من صالحها وتستمد وجودها من تلك الأوضاع. 

 

ان كل أعمال هذه الجماعات واستراتيجيتها السياسية تصب بالفصل بين نضال جماهير كردستان ونضال جماهير إيران، فهي تجد سهم لها في مستقبل التحولات السياسية في إيران ومعادلة السلطة في الصراعات القومية، وليس من صالحها أي نضال موحد لجماهير إيران، كما هو الحال في العراق وعمليته السياسية المقيتة.

 

إن إحدى الخصائص المميزة والبارزة في الاحتجاجات الإيرانية، هي الجسارة الثورية، الى جانب نزعتها التحررية والتقدمية وتجاوزها لكل النزعات القومية والمحلية والمناطقية، وفضلا على ذلك سيادة روح التضامن بين جماهير ايران والشرائح الاجتماعية المختلفة، فلقد تضامنت الجماهير في عشرات المناطق والمحلات في طهران علاوة على المدن الأخرى مع جماهير مهاباد التي طوقها الباسدران ورجال الأمن ونكلوا بها، وان التفاف جماهير ايران حول الشعار (المرأة-الحياة-الحرية) مع شعار الموت لخامنئي، الموت للديكتاتور، هو تأكيد على عدم قدرة القوى القومية في دك اسفين او فصل نضال  جماهير احواز عن كردستان عن بلوشستان عن طهران واصفهان عن مشهد حتى عن قم قلعة الملالي وعمائهم العفنة.

هذه الخصائص ترعب القوى القومية المحلية في إيران، وتنال من السياسة الغربية التي تحاول ان تكون محافظة وحتى رجعية، وتبطل فتيلها، وهي أي تلك الخصائص، بقدر ما هي نقطة قوة لصالح افشال كل مخططات عسكرة الانتفاضة، بنفس القدر ترعب كل القوى سواء النظام الإسلامي او القومية او السياسة الغربية لوأد الثورة في إيران.

 

ان انتصار الانتفاضة في إيران عبر تحولها الى ثورة تحررية بالمعنى المطلق، تقلع كل جذور الجمهورية الإسلامية، مرهون ليس بوعي جماهير إيران للأخطار المحدقة بها، مثل عسكرتها وفصل افاقها عن سياسات تلك القوى المذكورة فحسب، بل أيضا مرهون بنا، بتقوية التضامن معها، وفضح السياسة الغربية ومكائدها، وممارسة الضغط السياسي والدعائي على القوى القومية في إيران، وجر جماهير العراق والمنطقة العربية الى تقديم كل اشكال الدعم لها.

 

للأسف الى حد هذه اللحظة، لم يرتق دعم الانتفاضة الى ايران في منطقتنا الى مستوى يمكن يشكل ضغط إعلاميا وسياسيا حتى على ذيول النظام الإسلامي في العراق والمنطقة، والتي تشير تقارير، بأن مليشيات عراقية مثل عصائب اهل الحق وحزب الله اللبناني وغيرها، بدأت بأرسال عناصرها لقمع الانتفاضة في ايران. 

ان الغالبية العظمى من المنظمات والاتحادات العمالية والأحزاب والقوى السياسية في العراق والمنطقة العربية تقف الى الان موقف المتفرج مما يدور في ايران، وكأن الذين يذبحون في ايران لا يمتون بصلة إنسانية او طبقية بهم. 

ان النظام الإسلامي في ايران لديه حلفاء بدأوا ينزلون الى الساحة لنجدته، فسقوط النظام الإسلامي سيقلب المعادلة السياسية لا على صعيد ايران والمنطقة بل على صعيد العالم، وسيعود الإسلام السياسي وجلاوزته ووحوشه صاغرين الى الكهوف خلف التاريخ، وهذا ما تتخشاه ذيول ايران في المنطقة، بيد ان جماهير ايران ليس لديها حلفاء، للانتصار على اكبر قوة وحشية جاءت عبر التاريخ، سوى الجماهير التي فجرت انتفاضة أكتوبر في العراق والثورتين المصرية والتونسية والسودانية، والسترات الصفر والقوى التحررية والإنسانية في العالم. 

ان التخلص من كابوس الإسلام السياسي هو نقطة على طريق الأمان والحرية والمساواة، ليس لجماهير ايران فحسب بل لجماهير المنطقة وحتى العالم برمته، فعلينا ان نعي معنى التضامن مع الانتفاضة في ايران وانتصارها النهائي، وهو احدى الوسائل  للوقوف بوجه تلك الذيول التي تسعى لعسكرة الانتفاضة مع القوى الامنية وقمعها. 

 

لسنا من  الهواة او من المتابعين والمواظبين الجيدين للأفلام والمسلسلات التلفزيونية او البرامج الترفيهية، الا انه وجدنا ضجة وتعليقات كثيرة عن مسلسل عرض على قناة ( MBC العراق) بعنوان (ستيلتو)، وما زال يعرض على قنوات اشتراك خاصة، بحيث تحول الى تريند، تجاوز شبكات التواصل الاجتماعية، ليصل تداوله أوساط اجتماعية عديدة، لذلك اضطررنا مشاهدة عدد من حلقات المسلسل، ونفهم لماذا كل هذه الصخب حول المسلسل المذكور.

 

 في كل صغيرة وكبيرة من الاحداث، وفي كل ظاهرة سياسية واجتماعية، وفي كل عمل ثقافي وفكري على صعيد الكتابة والسينما والمسرح والتلفزيون، وفي كل قرار يصدر من السلطة السياسية أو قانون تشرعها الهيئات التمثيلية أو النيابية، بسهولة يمكن شم ولمس، او الشعور قليلا للحاجة إلى التوقف والتمعن، لمعرفة بأن هناك مصالح طبقية تقف خلفها

وبعكس ما تتفوه بها الأقلام البرجوازية من نكران للعديد من الظواهر والقرارات والقوانين الصادرة، بانها اما فوق طبقية، او تشمل مصالح كل الفئات الاجتماعية في المجتمع، فإن السينما والمسرح والفن والادب، كما هو الحال بالنسبة للدين والأخلاق والايديولوجية هو جزء من البنية الفوقية، والتي ماهي إلا تعبير عن مصالح الطبقة الحاكمة، وتعتبر كل المنظومة الأخلاقية والاجتماعية والثقافية في المجتمع انعكاس لها.

 

إن ذكر هذه المقدمة البسيطة، هي من اجل توضيح المنهجية التي تساعدنا لتحليل الماهية الاجتماعية لمسلسل (ستيلتو) حيث تحول الى ظاهرة مثلما ذكرنا، اثارت العديد من المناقشات بشكل واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، وفي أوساط اجتماعية مختلفة، وأصبح محل شد وجذب حول احداث المسلسل، وتفسير وتحليل أحداث المسلسل من زاوية الصراع بين الخير والشر، والواضح حتى هذا الصراع الذي هو سردية تاريخية، ابطاله النساء الأربعة بخيرهن وشرهن، وهن من يتحكمن في مفاتيح حياة جميع من يعيشون معهن.

 

ان حجم الانفاق الهائل على هذا العمل الدرامي، على صعيد أماكن التصوير في تركيا والمكياج والملابس وغيرها، إضافة إلى الاستعانة بشركة تركية وكوادرها المحترفة، اعطى زخما كبيرا لجذب أكبر عدد من المشاهدين، ولعب حجم الإنفاق المذكور واحترافية القائمين على العمل، دورا كبيرا في تسويق المشاهد الاجتماعية التي يسردها العمل الدرامي داخل أوساط واسعة، وتمرير جملة من الأفكار والتصورات تساعد على إعادة انتاج السردية الدينية  التاريخية عن المرأة، وتقوية وترسيخ وتثبيت الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها رجعية.

 

تلك السردية قالت، إن من أخرج آدم من الجنة هي حواء، وإن اول صراع دموي في التاريخ سببه المرأة، حيث كان بين قابيل وهابيل، واقدام الأول على قتل اخيه من اجل الفوز بامرأة، وأن المرأة هي سبب كل الشرور في الحياة، وإذا ما ارادت هذه الصورة النمطية ان تكون أكثر ليبرالية، سنسمع ان المرأة لا تريد التغيير والحرية، وأن المرأة هي ضد المرأة. الخ من الترهات التي تنهال علينا ليل نهار من التعليقات والمقالات في شبكات التواصل الاجتماعية والحوارات في الفضائيات.

 

جاء مسلسل (ستيلتو) في هذا الوقت كي يكون عونا ودعما لكل تلك التصورات المعادية للمرأة، التي تُعتبر محاولة من اجل تقديس دونية المرأة وترسيخ التصور الذي يقول بأن هذه هي الصورة النمطية للمرأة، فهي لن تتغير، ولا تستحق المساواة الكاملة، وان جل عملها هي حياكة المؤامرات والدسائس، كما كان في مسلسل (حريم السلطان) الذي عرض قبل سنوات، ولكن الفارق مع الأخير هو ان مؤامرات النساء ودسائسهن في ( حريم السلطان ) كان من اجل السلطة او الفوز بها، أما بالنسبة للأول (ستيلتو) فهو بسبب وجود مشاكل نفسية وعقد متأصلة في وجود المرأة، التي تعنى بالتحليل الأخير، إثبات سطحيتها، التي لا تملك أي شيء في الحياة سوى الغيرة والحسد والضغينة لملئ فراغها والفوز بنشوة تحقيق الذات الخاوية، وان كل ما تقوم بها هو جزء من حقيقة المرأة ورسالة وجودها.

 

يعرض هذا المسلسل (ستيلتو) في هذا الوقت، أي في زمن وصل الظلم الجنسي على النساء الى درجات يندى لها الجبين، وشخصيا وفي مناسبات عديدة رسمية وغير رسمية، قلت واقول هنا، حقا اخجل من نفسي لتصنيفي من جنس الرجل، لما وصلت إليه أوضاع النساء، فالذكورية والرجولية المقيتة التي هي انعكاس مباشر لثقافة السلطة الحاكمة، وتكرس بشكل قوانين ومنظومة سياسية واجتماعية واخلاقية معادية للمرأة، هي التي تسود في المجتمع او في الشارع بأدق العبارة.

 

ان تكريس الظلم على المرأة هي سياسة منهجية ومدروسة، فالتحرش الجنسي على النساء على سبيل المثال، ليس وليد صدفة، ولا نابع من كون المرأة تعرض مفاتنها كما يدعي فطاحل الرجعية والعفونة في المجتمع، فكم من مئات النساء المحجبات تعرضن الى التحرش الجنسي، وأيضا ليس كما يقولون بأن المرأة هي مسؤولة عن التحرش، وليس المنظومة السياسية الحاكمة.  ان تحول ظاهرة التحرش الجنسي الى ظاهرة اجتماعية واسعة، مصدره الإسلام السياسي بالدرجة الاولى، حيث بدأت هذه الظاهرة تتسع وتأخذ مدياتها خلال الثورتين المصرية والتونسية، عندما كانت النساء يتصدرن بأعدادهن الغفيرة او بعلو اصواتهن او بإبداء رأيهن، ومشاركتهن في تلك الثورتين.

 

وكما اشرنا في اكثر من مناسبة ان استعباد المرأة ودفعها الى خلف المجتمع جزء من هوية وجود الإسلام السياسي، وعندما فشلت التعبئة الايديلوجية والتحريض الاجتماعي في احتواء المرأة واعتقالها في دائرة البيت والطبخ وتربية الأطفال لفرض البلاهة عليهن، لجأ الإسلام السياسي الى سلوك التحرش الجنسي كوسيلة وسياسة لإعادة نصف المشاركين في الثورة الى البيوت وعزل الجماهير والانفراد بضربها وتفتيت صفوفها، وهكذا بدأت تمارس تنظيمات الإسلام السياسي وهنا اقصد (الاخوان المسلمين) هذه السياسة، سياسة التحرش الجنسي ضد النساء، لتتحول تلك السياسة وبشكل مدروس الى عقلية وممارسة اجتماعية سائدة في المجتمع، وإيجاد المبررات التافهة التي أشرنا اليها لإثبات حقانية التحرش، وإنقاذ المتحرش من أي نقد وبالتالي انقاذ تصرفه من المحاسبة القانونية، وهكذا تحول التحرش الى سلوك يكاد يكون عاديا في الشوارع وأماكن العمل والتسوق.

 

اما على الصعيد القانوني، وهنا سأتحدث عن العراق، فهناك اجحاف واسع بحق النساء على صعيد الامومة، حيث تم تشريع قانون ٥٧، الذي مفاده انتزاع الأطفال من النساء إذا ما حدث تفريق بين الابوين، وشيوع ظاهرة الزواج القسري وخاصة للقاصرات، و قانون تعدد الزوجات، وعلى الصعيد الاقتصادي، فالبطالة تضرب بشكل سرطاني صفوف النساء، حيث تشكل ٨٧٪ نسبة البطالة في صفوفها، كما لعب وباء كورونا دورا كبيرا في تشديد القهر الاقتصادي عليها، اما على الصعيد الاجتماعي، فانعكاس الوضع الاقتصادي والقانوني على وضع النساء اجتماعيا يكاد يكون كارثيا، فارتفاع نسبة الانتحار في صفوف النساء وزيادة حالات قتل الشرف، ومحدودية خروج النساء من البيوت على الأقل لشم هواء نقي أو التنفيس عن اوضاعهن من خلال التمشي في المتنزهات والشوارع والخروج ليلا، وتحول معظم النساء اما الى معتقلات في البيوت مع اطلاق سراح مشروط ومحدود او الى عبيد في المطابخ وتربية الأطفال، وبسبب أشكال الظلم المذكورة نجد أن انخراط النساء في العمل السياسي محدودا لا يتجاوز أطر منظمات المجتمع المدني.

 

في ظل هذه الأوضاع،  الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية للأغلبية الساحقة للنساء في المنطقة، يصور مسلسل (ستيلتو) النساء المترفات، واللواتي يعيشن بشكل طفيلي، و يقمن باقتناء اغلى الحلي والملابس و السكن في قصور فارهة ولديهنّ عاملات ومربيات، و يُقِمن الحفلات الباذخة، في الوقت الذي لا تجد غالبية النساء في منطقتنا فرصة عمل لتأمين الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة، ويقضون ساعات وايام وشهور في ضياع اعمارهم بين جدران المطبخ والبيوت لإعداد الطعام او لتربية الأطفال، واذا كانت تلك المرأة عاملة أو موظفة، فيترتب عليها عمل إضافي يساوي عدد ساعات العمل خارج المنزل، وفي كلا الحالتين سواءً أكانت عاطلة عن العمل في البيت او كانت تعمل، تتعرض اعداد ليست قليلة منهن الى العنف المنزلي من قبل الاب او الزوج او الأخ او الابن، وهنا يُطرح سؤال هل لدى هؤلاء النساء متسع من الوقت كي تفكر بحياكة مؤامرة او دسيسة ضد زميلتها؟!

 

وليس هذا فحسب، بل يصور المسلسل دور بقية النساء المشاركات الثانويات،  اما يمارسن النفاق الاجتماعي او النميمة او يلعبن أدوار لتعميم أجواء المؤامرات والدسائس كي تتحول الى محيط اجتماعي يسبح الجميع فيه، في حين يقتصر دور  الرجال الثلاثة الذين هم أزواج لثلاثة من النساء، هم خارج الزمن ولا يشكلون أي معادلة في الحياة الاجتماعية، بل انهم أدوات التظاهر الاجتماعي لزوجاتهم، او وسيلة شكلية تضاف الى زينة النساء، أما ما يحدث من مظالم ضد النساء في المجتمع، فهؤلاء الرجال هم بعيدون عنه وابرياء وانقياء باستثناء أحدهم الذي (تورط) بعلاقة خارج المؤسسة الرسمية للزواج، وحصر شر النظام الرجولي والذكوري الذي هو جزء من منظومة سياسية واجتماعية تنتجها بوعي وتخطيط السلطة السياسية الحاكمة (بالخيانة الزوجية) وليس أكثر من ذلك.

 

أن تفاهة وسطحية وسلوك النساء في المسلسل -هناك نسختان باللغة التركية والامريكية ايضا- ، هو تفاهة وسطحية الطبقة التي تنتمي لها تلك النسوة، وهي تعكس ضحالتها وطفيليتها، وهي الطبقة البرجوازية.

 

ان نساء (ستيلتو) لا يمثلن لا من قريب ولا من بعيد، لا من حيث وسيلة الكسب للعيش، لا من حيث الثقافة ولا العقلية ولا الطموح والأماني، نقول لا يمثلن الملايين من النساء اللواتي يكافحن في افغانستان وإيران والعراق وكل المنطقة والعالم من اجل لقمة العيش، من اجل الكرامة والمساواة الإنسانية، من أجل التحرر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتمزيق صفحات كل أشكال الظلم الجنسي، وكسر قيود العبودية، وهدم النظام الذكوري والرجولي الذي هو جزء من السلطة السياسية الحاكمة.

يقول المثل ان حبل الكذب قصير، إلا أن الأنظمة الاستبدادية لا تملك حتى ذلك الحبل، ولا يهمها سواءً ملكته او لا، فالمهم ان تكذب حتى النهاية، وليس ضروريا ان يصدقها الاخرون كما قال غوبلز وزير إعلام هتلر.

هذا بالضبط ما يفعله النظام الإسلامي في إيران، بان إسرائيل وامريكا وراء اشعال فتيل غضب جماهير إيران، لتتحول الى انتفاضة مرت عليها أكثر من خمسة أسابيع على إثر قتل (مهسا أميني) بسبب عدم ارتدائها حجاب، وما زالت نارها مستعرة بالرغم من كل أساليب القمع الوحشي، والتهديدات التي يطلقها المسؤولون في النظام، وآخرها كانت لقائد القوات البرية الذي طلب الاذن من المرشد لطرد جميع المحتجين خارج إيران.

ولكن يبقى السؤال الذي تحاول تلك الأنظمة الهروب منه، وهو، هل هناك احتجاجات عظيمة مثلما تحدث في إيران، وقبلها كانت مثلها في العراق التي سميت بانتفاضة أكتوبر، بأنها تندلع (بريموت كنترول) من قبل تلك الدول "المتصهينة" مثلما يدعي النظام الإسلامي في إيران وعملائه في العراق؟، هل ان جماهير إيران التي يسقط منها كل يوم العشرات برصاص القوات الأمنية، ويعتقل المئات ويحاكم الاف، كل ذلك قربانا من اجل إسرائيل وامريكا والسعودية؟ هل رخصت جماهير إيران ارواحها من اجل تحقيق مصالح تلك الدول، والجواب: الحمقى وحدهم او الذي يحلوا لهم تصديق تلك الترهات من مزاعم المسؤولين الإيرانيين في النظام الإسلامي الحاكم لأنها تتفق مع مصالحهم.

انها الجمرة المشتعلة تحت الرماد، رماد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، التي اختطفها الملالي وبدعم من الغرب في مقدمتهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا، التي تحيك المؤامرات اليوم ضد الجمهورية الإسلامية مثلما يدعي طباليها وزماريها، تلك الجمرة التي لم تنطفئ، وكان قتل (مهسا اميني) هو الرياح التي اشعلت تلك الجمرة، لتتحول الى انتفاضة عارمة، تجتاح عشرات المدن الإيرانية الى حد قال مستشار المرشد علي الخامنئي قبل أيام (لقد تلقينا ضربة).

 في جميع الانتفاضات والثورات والمنعطفات السياسية، تحاول التيارات السياسية ببعدها المحلي والإقليمي والدولي التدخل فيها، وحرف مسارها تجاه مصالحها، وفي حالات كثيرة تحاول الطبقات البرجوازية الحاكمة بكل السبل، بما فيها استخدام القوة العسكرية وتدبير الانقلابات للإجهاز عليها، إذا هبت رياحها بغير اتجاها، والامثلة التاريخية كثيرة وعديدة، مثلما حدث في ثورة أكتوبر عام ١٩١٧ عندما اجتمعت ٢١ دولة غربية وشرقية في اوروبا لوأد الثورة، او في الانقلابات العسكرية بالدعم المباشر من قبل وكالة المخابرات المركزية الامريكية في العراق في ١٩٦٣ عندما حاول العسكر في تغيير دفة العراق نحو الشرق، والحال نفسه في اندونيسيا في ١٩٦٥ وفي تشيلي  ١٩٧٣ عندما انتخب الشعب حكام اتجهت بوصلتها في طرد نفوذ الشركات الغربية، وفي الثورة الإيرانية ١٩٧٩ للحيلولة دون انجراف الثورة نحو اليسار والاشتراكية والشيوعية، او في الثورات التي سميت بالمخملية او الملونة في بلدان اوروبا الشرقية إبان عقد التسعينات من القرن المنصرم، وفي الثورتين المصرية والتونسية، دعمت امريكا الاخوان المسلمين للوصول الى السلطة، كما  ودعمت العصابات الإسلامية في سوريا وليبيا، وفي انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩ في العراق التي قام الحرس الثوري الإيراني وعملائها من مليشيات عراقية بقتل اكثر من ٨٠٠ شخص لدحر الانتفاضة وسحق نزعتها المعادية للإسلام السياسي وسلطته الميليشياتية في العراق... وهكذا دواليك.

 

ان النظام الحاكم في إيران لا يبغي الاعتراف بأنه أصبح خارج الزمن، وانه غير قادر على الانسجام مع تطلعات واماني وطموح نساء إيران والشباب والعمال من أجل حياة أفضل تسودها الحرية بالدرجة الأولى والرفاه والمساواة، لا يدرك هذا النظام ان جميع أجنحته من متشددين واصلاحيين وانتهازيين غير قادرين على إنقاذ الجمهورية الإسلامية، مهما اجروا من تجارب لصواريخ فرط صوتية ولا من إطلاق مسيرات انتحارية ولا بالتلويح من الوصول الى العتبة النووية وتغيير برنامجها النووي من مدني الى عسكري.

لقد وجهت نساء إيران بالدرجة الأولى، ضربة الى كعب أخيل الجمهورية الإسلامية، لقد حرقن، ومزقن الحجاب، رمز جبروت وسطوة النظام الإسلامي، او الإسلام السياسي، الذي تحول الى رمز الحرية. 

لقد كان الشعار المركزي للثورة الإيرانية في عام ١٩٧٩هو الموت للشاه، لا للشاه، يسقط الشاه، واليوم يتكرر نفس السيناريو ولكن بحناجر تتقدمها النساء الموت للديكتاتور، الموت لخامنئي.

ان تحرر المرأة في إيران، يعني الحرية، يعني الحياة، وهذه الشعارات ليست لها علاقة لا بإسرائيل ولا بأمريكا، بل ان امثلة كثيرة على ان هاتين الدولتين، وفي محطات تاريخية عديدة، ومنها ما ذكرناها، كانتا عدوتان للحرية، ومناصرتان للأنظمة الاستبدادية، وما نراه اليوم من الظلم القومي الواقع على الفلسطينيين الذي تمارسه إسرائيل من هدم المنازل ومصادرة الأراضي والقتل بدم بارد، واحد من النماذج الحية على ان سياسة هذين الدولتين ابعد من التشدق حتى بالحرية لنساء إيران وجماهيرها.

 ومع هذا إن السلوان الوحيد للجمهورية الإسلامية وعزائها على حفر قبرها بيدها، هو بالكذب ثم الكذب ثم الكذب، وبغيره لا يمكن تبرير الة القمع الوحشية ضد انتفاضة النساء في إيران.

لقد آن الأوان لهذا النظام بدفع دين قديم عليه، ثمن اختطافه للثورة الإيرانية، لقد تأخر بعض الوقت ولكن في النهاية يجب دفعه مضافا إليه الفوائد المتأخرة.

رغد أبنة أكبر جزار بالشيوعيين، أي رغد صدام حسين تنعى رحيل الشاعر مظفر النواب، مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الذي عرف بتنصله من وعده في تقديم قتلة متظاهري أكتوبر للعدالة ينظم ويتقدم موكب تشيعه، نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة وأحد ألد أعداء الشيوعيين يحاول منافسة الكاظمي والمزايدة لحضور الموكب، إلا إن المفاجأة إن سمعته قد سبقته، فطٌرد بوابل من الشتائم واشياء اخرى اضافة الى حضور شخصيات أخرى من هنا وهناك ليصطف الجميع ويطلقوا برقيات النعي والأسف على رحيل مظفر النواب.

 في بلد حكمه البعث، تلطخت اياديه بدماء أكثر تيارات المعارضة السياسية وهم الشيوعيين، وفي بلد تحكمه سلطة مليشيات اسلامية ترتعد فرائصها اذا ارتفع صوت اديب معارض، او صدح صوت فنان، او طفى على السطح من تغنى بالحياة، في بلدٍ لا قدر ولا تقدير لكل ما هو ابداع انساني، تصطف كل رموز القمع والاستبداد وكره الحياة ولطم الخدود لتنعي شاعرا مثل مظفر النواب، الا يستحق هذا المشهد اقل ما يوصف بالدرامي، الحيرة ويرسم علامات استفهام!!!

جيل النواب...جيل نكبة اليسار المعادي للامبريالية الغربية:

 رحل الشاعر مظفر النواب قبل أيام عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عام، ويمكن القول إن النواب  آخر منْ تبقى من أطلال جيل عاش نكبة اليسار ومجازره بشقيه العالمي والإقليمي؛ حيث تدرجت عليه الانقلابات الدموية بدعم وتخطيط المخابرات المركزية الامريكية للإطاحة بالأنظمة القومية التي خرجت من تحت عباءة الاستعمار والهيمنة الامبريالية في العراق ١٩٦٣ واندونيسيا ١٩٦٥ وتشيلي ١٩٧١، وكانت تقصف فيتنام بكل وحشية و بقنابل النابالم المحرمة الدولية من قبل الاحتلال الأمريكية الذي قتل اكثر من ٢ مليون انسان بدم بارد، وقبلها تم تصفية تشي غيفارا رمز التمرد الثوري ضد الهيمنة الامبريالية الامريكيةاما الوضع المحلي والإقليمي فكان أكثر قتامة، فانه اضافة الى مرارة السجن الذي عانى منه النواب ووجع التعذيب والخوف ممن ينتظرون سرقت روحه ومعاناة سنوات الهروب بعد الانقلاب الدموي للبعث والقوميين العرب، فكان في ثنايا النكبة، الهزيمة العسكرية في حزيران ١٩٦٧ والهجوم العسكري الذي قاده الملك حسين في أيلول عام ١٩٧٠ على منظمة التحرير الفلسطينية وإخراجها من الأردن والذي سمي (أيلول الأسود)  وهزيمة حركة ظفار ١٩٧٥ امام سلطان قابوس في سلطنة عمان المدعوم من نظام شاه إيران شرطي امريكا في المنطقة، وكانت تلك الحركة المدعومة حينذاك من قبل عبد الناصر واشتعال الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥.

لقد فُطم ذلك الجيل على انتصارات إسرائيل وتمدد الامبريالية الامريكية في العالم، وترسيخ الانظمة القومية العربية الجديدة جذورهاإن مظفر النواب أبن تلك المرحلة وابن جيل،  شهد انكسار المشروع القومي العربي، وهزيمة استراتيجية ذلك الجناح الذي رفع  لواء مقاومة الاستعمار والامبريالية والصهيونية، بينما ظل حائرا هل استراتيجيته تحرير فلسطين طريق لتحرير الأمة العربية أم تحرير الامة العربية طريق لتحرير فلسطين، انه جناح البرجوازية الوطنية الصاعدة التي مثلها العسكر عبر تلك الانقلابات العسكرية في مصر والعراق وسورية وليبياالخ.

كان مظفر النواب أحد ممثلي المتمردين لذلك الجيل في العراق إذا لم يكن أبرعهم، ومنيت أحلامه القومية بهزيمة نكراء، ليعبر عن سخطه و امتعاضه ورفضه للواقع الجديدأي بلغة اخرى كان النواب تعبير عن متنفس المهزومين “الثوريين”. وقد جسده النواب في قصائده (وتريات ليليةو (القدس عروس عروبتكم) (وطني علمني كل الأشياءو(رحيل)..الخ.

كان النواب تعبير عن صرخة ضد الظلم السياسي و ثائرا ضد الاستبداد لجيل فشلت أحلامه بتحرير فلسطين وإلحاق الهزيمة بإسرائيل وأمريكا والانظمة السياسية التي كانت تقبع في خندقها.

وبقدر وجع الهزيمة التي مُني به المشروع القومي العربي بنفس القدر تم ترسيخ تلك الأنظمة القومية سلطتها السياسية والاقتصاديةواستطاعت الحركة القومية العربية بجميع أجنحتها اليمينية واليسارية صاحبة المشروع القومي بدهاء  غير متناهٍ اكتشاف القضية الفلسطينية وتبنيها والتي كانت بمستوى قيمة الفوز ببطاقة يانصيب (لوتولها.  فعن طريقها حلت تناقضاتها الأيديولوجية والسياسية وخلقت انسجام في صفوفها ومحورتها حول هوية واحدة وهي الهوية الفلسطينية او القضية الفلسطينيةذلك الاكتشاف كان حاجة ضرورية للدفع بالمشروع القومي في بناء اقتصاد بعيد عن أطماع ونفوذ الغرب وبنية تحتية اقتصادية قادرة على انتزاع حصتها من الامبريالية ولعب دورها السياسي والاقتصادي في النظام الرأسمالي العالمي، وسلطة استبدادية مطلقة، ولا حديث ولا صوت يطالب برغيف خبز وحرية وكرامة غير صوت تحرير فلسطين.

  لنعود الى مظفر النواب فهناك مستويين يمكن الحديث عنهماالمستوى الأول هو الشاعر والمناضل السياسي الذي لا يمكن الفصل بينهما، فوظيفة النواب السياسية او المناضل السياسي هي امتهان الشعر واستخدامه كأداة تحريضية ودعائية لاستلهام “الامة العربية المنهزمة والنهوض بها وتعرية الواقع السياسي وما آلت اليها، عبر نقد حكامها المستبدين و الأنظمة الخانعة والتابعة للإمبريالية، والذي هو في حقيقته نقد الجناح الآخر في الحركة القومية العربية الذي يعبر عن مشروعه الاقتصادي والسياسي بالمصالحة مع الغرب والرضى على ما ترميه من قسمة وإعطاء مكانة لها في مناطق النفوذ بين الأقطاب الامبريالية العالمية.  اما الاخر هو المستوى الشخصي، وهو ما لاقاه من قمع واضطهاد سياسي بكل اشكاله اسوة بآلاف من المعارضين السياسيين في العراق وفي أراضي (الامة العربيةمن المحيط الى الخليج.  وقد نجح النواب في ان يلمس قلوب جماهير عريضة عبر أمسياته الشعرية وتوزيعها في تسجيلات (كاسيت ) آنذاك لتدخل بيوت أكبر عدد من المعارضين السياسيين سواء في العراق أو في المنطقةولعب أدائه بإلقاء الشعر في الأمسيات الى حد وصفه من قبل العديد من النقاد والمتابعين بمسرحيات ملحميةوهذا الأداء الشعري والمحتوى السياسي جعل من النواب ممثلا عن زفرات وآهات جيل َطبَعَ في أذهان المجتمع برمته أحلامه القومية من مشاريع اقتصادية وسياسية، وامتزج في وجدانهم مظفر النواب الذي عانى من التعذيب والسجن ليختلط المستوى الأول والثاني، دون التوقف للحظة وطرح سؤال ماذا كان يمثل النواب، ولماذا اليوم يقف ألد اعداء الحرية صفا واحدا بالتبضع سياسيا سواء في موكب تشيعه او في نعيه.

رغد صدام حسين والنفس القومي:

 بالنسبة لرغد صدام حسين، لا نأخذها بجريرة ابيها المجرم صدام حسين الذي كان يعذب الشيوعيين  بيديه في قصر النهائية وهو من يضع نهاية لحياتهم، وكان مظفر النواب واحد من اولئك التي تكتب رغد النعي لرحيلهان رغد وفي الأجزاء الستة لمقابلتها مع (القناة العربيةقبل عامين اعادت نفس صورة النظام البعثي ودافعت بل صلافة عن جرائمه واكثر من ذلك قالت (ان الشعب العراقي اخطأ ولا تريد محاسبتهفهل هناك صلافة ما بعدها صلافة ووقاحةلكنها تنعي مظفر النواب، لان شعر نواب انتقد الحكام العرب وانظمتهم السياسية الذين يدورون في فلك الامبريالية الامريكية، وجه النواب سياط نقده ضد ذلك الجناح المتخندق مع الامبريالية كما اشرناان شعر النواب يطفأ النيران المشتعلة في قلب رغد عندما اصطف ذلك الجناح لإسقاط النظام البعثي عبر الغزو والاحتلالأنها تستحضر روح الامة العربية التي كان ينعيها النواب وتسقط ارهاصاته على الواقع الذي اسقط خلاله نظام صدام حسينبيد ان رغد لا تريد ارهاق نفسها كي تبحث في تاريخ النظام الذي مثله صدام حسين، وهو نفس التاريخ الذي يسطع فيه نجم النواب، بقتل الشيوعيين عبر تدبير حوادث الدهس بالسيارات واحواض الاسيد داخل العراق والاغتيالات في خارج العراق والموت بالتعذيب في غرف قصر النهاية، وطلب من الباقين لمن وصلت دعوات امهاتهم الى السماء بعد اجتيازها كل السيطرات الامنية و حالفهم الحظ من كتابة (البراءةمن الحزب الشيوعي وهي عنوان القصيدة التي حكم بسببها  النواب ثلاث سنوات بالسجنان رغد صدام حسين تريد التشفي بما قاله النواب عن الحكام العرب المتآمرين على الامة العربية وقضية فلسطين. ( من ركب اقنعة لوجوه الناس..والسنة ايرانية!!!…من هرب ذاك النهر المتجوسق بالنخل على الأهواز..اجيبوا فالنخلة ارض عربية..حمدانيون!بويهيون!سلاجقة!ومماليك..اجيبوا فالنخلة ارض عربية.) وفي مكان آخر يقول (يا بلدا يتناهشها الفرس، ويجلس فوق تنفسها الوالي العثماني وغلمان الروم..وتحتلم “الجيتاتالصهيونية بالعقد التوراتية فيها.زبل يخرج حتى ملك الأحباش الجائف عورته في وجهكوايضا (لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية ..يا امراء الغزو فموتوا..سيكون خرابا..سيكون خرابا ..هذه الأمة ..هذه الامة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب)- وتريات ليلية-.  إنه النفس القومي الذي ينفثه النواب  وتحاول رغد صدام حسين تنشقه وإطلاق زفيره كي تتنفس الصعداءهذه الجمل الشعرية للنواب تجعل من رغد تحلق عاليا في سماء العراق وتجد وصف النواب الواقع  الحالي الذي تتصارع القوى الدولية والاقليمية؛ الامريكية الايرانية والتركية والإسرائيلية في المنطقة وخاصة على جغرافية العراقوعلى العراقيين أن يأخذوا درسا بالتخريب كما جاءت ضمنا في مقابلتها المذكورة.

المالكي والسردية الطائفية:

 اما المالكي رمز الطائفية والطائفيين في العراق اذا لم نقل قائدهم  دون منازع وهو احد الد اعداء الشيوعية، يستذكر اليوم مظفر النواب وينافس الكاظمي للحضور في موكب تشيعه، وهو في كل مناسبة لإحياء ذكرى اغتيال محمد باقر الصدر، يتهجم على الملحدين والعلمانيين وضمنا الشيوعيين، وحيث أشار في واحدة من أحدى احتفالاتهم بمناسبة تأسيس حزب الدعوة، ذكر من على منصة الاحتفال، بأن تأسيس حزب الدعوة الذي يشغل هو منصب أمينه العام تأسس من أجل مواجهة الشيوعيةومع هذا فإن حضور موكب التشييع فرصة للتعفف مثل رغد والتمسح بعباءة مظفر النواب.  من قرأ (وتريات ليلية-١٩٧٢-١٩٧٣واشتهر النواب من خلالها في العالم العربي، يصل دون عناء الى تفسير حضور المالكي في موكب التشييع.  ولو كتبت ملحمته الشعرية (وتريات ليليةفي مرحلة ما بعد الاحتلال وتحديدا بعد تفجيرات شباط ٢٠٠٦ لمرقدي العسكري في مدينة سامراء، لتحول النواب الى رمزا للطائفية ولكان يسير في موكب التشييع الى جانب المالكي  جلال الدين الصغير وحنان الفتلاوي والعامري والخزعلي والقائمة لا تعد ولا تحصى من الرموز الطائفية في المشهد السياسي العراقيفالنواب اراد تحضير روح التاريخ الإسلامي الدموي عبر شخصياته قبل بناء الإمبراطورية الإسلامية واسقاطه على واقع ما آلت اليه (الامة العربيةفي تلك المرحلة، وقد وجه سياط نقده على معاوية وابي سفيان ويزيد وعثمان وعمرو بن العاص (تختلط الريح بصوت صحابي..يقرع باب معاوية ويبشر بالثورة..ويضيء الليل بسيف يوقد في المهجة جمرة..ماذا يقدح في الغيب الأزلي أطلوا..ماذا يقدح في الغيب..أسيف علي !!..قتلتنا الردة يا مولاي..كما قتلتك بجرح في الغرة..هذا رأس الثورة يحمل في طبق في قصر يزيد..وهذي البقعة أكثر من يوم سباياك..فيا لله وللحكام ورأس الثورة..هل عرب أنتم..ويزيد عمان على الشرفة..يستعرض أعراض عراياكم..ويوزعهن كلحم الضأن لجيش الردة..هل عرب أنتم..والله أنا في شك من بغداد إلى جدة..هل عرب انتم..وأراكم تمتهنون الليل..على أرصفة..الطرقات الموبؤة أيام الشدة..قتلتنا الردة..قتلتنا الردة..قتلتنا الردةوايضا (أنبيك عليا!..ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف..ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف..ما زالت عورة بن العاص معاصرة..وتقبح وجه التاريخ..ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية!..ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء,..يؤلب باسم اللات..العصبيات القبلية..ما زالت شورى التجار ترى عثمان خليفتهاوالتذكير بالتهمة التي وجهت الى عائشة بالمعاشرة الجنسية وهي زوجة الرسول وخارج المؤسسة الرسمية للزواج (من أين سندري أن صحابيا..سيقود الفتنة في الليل بإحدى زوجات محمد..من أين سندري أن الردة تخلع ثوب الأفعى.. صيفا وشتاء تتجددوتشبيه كل تلك الشخصيات بشخصيات حكام العرب الفاسدين والمجرمين والمتخندقين في خندق الامبريالية والصهيونية والرجعية، كما اعتاد الخطاب السياسي العربي بوصف الاوضاع السياسية في تلك المرحلة، وفي الوقت ذاته يشيد بعلي والانتماء اليه دون شروط وتبجيل الحسين مرات ومرات(أنا أنتمي للمسيح المجدف فوق الصليب..وقد جرح الخل وجه الإله على رئتيه..وظل به أمل ويقاتل..لمحمد شرط الدخول إلى مكة بالسلاح..لعلي بغير شروط..أنا أنتمي للفداء..لرأس الحسين)  وفي ثنايا هذه السردية الشيعية يؤكد على عروبته، حيث يصف (روحه عربية)  في كل عدد من  الأبيات من القصيدة (يا حامل مشكاة الغيب.. بظلمة عينيك..فروحي عربية) ( يا مشمش أيام الله بضحكة عينيكترنم للغة القرآن..فروحي عربية)  وإذا ما تعمقنا أكثر في ذلك، فإن النواب من وجهة نظر المالكي وقادة الطائفية الشيعية يرد في قصيدته (وتريات ليليةعلى التهمة التي طالما وجهت الى (الشيعة السياسيةبانهم موالين للفرس وناكرين للعروبة.

وفي الجانب الآخر فالنواب تحول إلى رمزٍ ضد الدكتاتورية والاستبداد، وبموازاته كان رمزا يدافع عن فلسطين حتى في قصائده في الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠ان المالكي يحاول المزج بين طمس ماهيته الطائفية  حيث اطلق على نفسه لقب “مختار العصر” تيمنا بمختار بن يوسف الثقفي الذي رفع شعار (يا لثارات الحسين)   ووصف صراعه مع القوى القومية و تظاهراتها في المنطقة الغربية عام ٢٠١٣ في خطبه في الناصرية والبصرة بأن حربه معهم هي حرب الحسين ويزيداي بعبارة اخرى يجد المالكي في تشييع موكب النواب ملاذا سياسيا للاختباء تحت عباءته، والظهور من جديد لإعادة تلميع ماضيه الذي تفاخروا به وهو معادة نظام صدام حسين (ماذا يدعى الدولاب الدموي ببغداد)بمعنى آخر يمكن القول أنها محاولة في لحظة تاريخية للتعفف بعباءة النواب لمحي جرائمه الطائفية منذ ان رضى عليه زلماي خليل زادة المبعوث الامريكي الى العراق وبوش وتوج رئيسا للوزراء.

 الكاظمي ومشروعه العروبي:

أما الكاظمي ينظر الى النواب من خلال مشروعه القومي الذي فجر غضب إخوته في السلطة المليشياتية الإسلامية التي نصبته للإفلات من قبضة انتفاضة اكتوبرفالنواب الذي تحول رمزا ضد الديكتاتورية والاستبداد، وينتمي الى جيل امتلك رؤية ومشروع، يعتبر الكاظمي نفسه جزء منهوالمفارقة أن النواب تعرض الى  كل اشكال الظلم السياسي وانتفض ضده بينما يتناسى الكاظمي ما تعرض له النواب، وهو وعد متظاهري انتفاضة أكتوبر بإنصافهم وإطلاق الحريات ومحاكمة الملطخة اياديهم بدماء ضحايا الانتفاضةوهكذا فأن الموكب الرسمي الذي نظمه الكاظمي هو محاولة اخرى لتنظيف صورته المنافقة مثل زملائه رغد والمالكي والتمسح بعباءة النواب عسى ولعل أن تنسى جماهير العراق والتي يمثل الجيل الشباب الجديد اكثر من نصفه لم يسمعوا عن النواب وقصائده سوى نزر يسير، نقول محاولة لكي تنسى جماهير العراق كل الوعود الكاذبة التي اطلقها الكاظمي للقصاص من قتلة المتظاهرين، وفي نفس الوقت تسويق صورة خادعة جديدة انه اي الكاظمي يعرف قدر الشعراء والشعر والأدب والفن ولذلك يجب تقديرهم!

 

النواب بين اليسار الشعبوي واليسار الطائفي:

أما مدى كون النواب شيوعيا، فنستطيع أن نقول عنه، أن رواية النواب او الجيل الذي انتمى له للشيوعية، هي رواية معاداة الدكتاتورية والاستبداد والامبريالية والصهيونية، وتعلل العلاقة بينها وبين جذرها القمعي والوحشي الى وجود حكام فاسدين و خانعين وغير مستقلين، وليس لها اي ارتباط بالنظام الرأسمالي القائم على استثمار العامل الانسانفي حين كان الجميع من الدكتاتوريات العربية والانظمة المستبدة القومية، شاركت

 
 

لا يبعث المشهد السياسي العراقي على الركود والانسداد السياسي كما تصورها التحليلات والمقالات والحوارات التلفزيونية، إنما يبعث على أقل ما يوصف بكوميديا هزيلة وتثير الاشمئزاز، بكل تلاوينه وشخصياته ومحلليه وأطرافه وأحزابه وقواه السياسية. 

أول المشاهد الهزلية لذلك المشهد؛ جهود حثيثة أنفقها العديد من المثقفين واصحاب اقلام، الذي يسوقون انفسهم على إنهم ليبراليون وديمقراطيون، بإعادة البريق للعملية السياسية بعد انتخابات ١٠ تشرين الأول العام الماضي وخاصة عندما قاطعتها أكثر من ٨٢٪ من جماهير العراق. فكل جهودهم صبت بالتقريع وإلقاء اللوم على من قاطع الانتخابات، وبأن التغيير الجذري كان ممكنا لو حصل ما يسمى بالمستقلين على عدد كبير من المقاعد، متناسين مثل النعامة التي تطمس راسها بالوحل بأن صناديق الانتخابات لم ولن تحسم يوما ما مسالة السلطة في الشرق الأوسط وفي ظل الأنظمة السياسية الاستبدادية التابعة للإمبريالية، فما بالك في عراق المليشيات، فالانتخابات ليست أكثر من مسرحية سمجة ترفع ستارها كل فترة زمنية، لصياغة جديدة للعملية السياسية تتلاءم مع المتغيرات الاقليمية والدولية اكثر مما يحدث من متغيرات محلية. واولئك الفطاحل من الليبراليين وبسبب منهجهم الفكري الذي لا  يمكن أن يروا غير وقع أقدامهم، لا ينظرون بأن التغيير ممكن خارج العملية السياسية، في الوقت الذي، ان كل الازمة السياسية التي تلازم المشهد السياسي منذ غزو واحتلال العراق هو نفس العملية السياسية.

ثاني المشاهد التي هي بحق كوميدية وهي المبادرات التي تعلنها اطراف البيت الشيعي بين الفينة والاخرى، والتي ليس أكثر من عملية لكسب الوقت وطمس ماهية الصراع على المكاسب والحصص. فمهلة الصدر أربعون يوما  التي أطلقها كانت وما زالت  تعبير عن انسداد أفق تشكيل السلطة والتفرد بها من قبله تحت عنوان حكومة الاغلبية، وكانت المهلة المذكورة فرصة لإعادة التفكير وعقد المفاوضات خلف الكواليس وفسح المجال لتدخل القوى الإقليمية والدولية التي تمسك بالمعادلة السياسية العراقية، عسى ولعل تجد مخرجا لحل ازمة السلطة، وهو يدرك أي الصدر جيدا بالرغم تشكيله كتلة (إنقاذ الوطن) من ١٧٦ مقعد لم يستطع تشكيل الحكومة، فهل يعقل بأن الإطار التنسيقي الذي سخر كل الأموال التي سرقها ونهبها لشراء ذمم ما يسمى بالمستقلين للانضمام إليه كي يعوض عدد المقاعد الذي خسرها في الانتخابات، بإمكانه تشكيل حكومة! أما الإطار التنسيقي، فلم تكن مبادرته  التي اعلنها في اول ايام العيد، تختلف عن المبادرات السابقة والتي دقت طبوله الاعلامية لنقاطه التسعة؛ قانون انتخابات جديد ومفوضية جديدة وسن قانون النفط والغاز لتنظيم العلاقة بين بغداد واربيل وادراج قوات البيشمركة في القوات المسلحة..الخ التي تبرزها كل كتلة سياسية عندما تشتد الازمة السياسية. المبادرة لم تكن أكثر من جعجعة إعلامية لذر الرماد في العيون وحجب الحقيقة التي تختفي ورائها وهي انقاذ حصة المكون الاكبر الشيعي بشكل عملي وسياسي أو كما في تسميته الجديدة المكون الأكبر المجتمعي بعد انقاذها قانونيا بفضل المحكمة الاتحادية التي افتت بحضور ثلثي أعضاء البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية. أما المبادرة الاخيرة للصدر  والتي هي الاكثر هزلية من بقية المبادرات السابقة الفاشلة، هي تكليف المستقلين بتشكيل الحكومة شرط عدم مشاركة الإطار التنسيقي فيها. وهذه محاولة فاشلة اخرى من قبل الصدر لإغراء من تم شرائهم من ما سموه بالمستقلين واعادتهم الى الركب المؤمن أو قطع الطريق أمام الاطار التنسيقي في مواصلة شراء ما تبقى منهم، كتحصيل حاصل تدرج هذه العملية في خانة كوميديا المبادرات.

و المشهد الهزلي الآخر هو زيارة الحلبوسي رئيس البرلمان إلى إيران قبل أيام ، لحل عقدة الأزمة السياسية. وهذا الحلبوسي الذي ظل مع الصدر والكاظمي يعزفون على لحن نشيد موطني وسيادة العراق واستقلاليته  وقراراته السيادية وبعدم جواز التدخل بالشأن السياسي العراقي، يشد الرحال للتوسل الى ملالي ايران للضغط على البيت الشيعي المتهاوي كي يتنازل عن بعض مكاسب ونفوذ السلطة للصدر وكتلته التي تحاول أن تغرد في المحيط العربي والامريكي. و الحلبوسي لم يقم بزيارته تلك دون موافقة أطراف تحالفه الثلاثي وهم الصدر-البارزاني-الحلبوسي والخنجر.

هذا الوضع الذي يمر به العراق هو وضع انتقالي، وفشل جميع المبادرات السياسية وفشل تشكيل حكومة وفشل الانتخابات هو تعبير عن احتدام الصراع بين مشروعين وعدم قدرة أي منهما في إزاحة الآخر، وهما مشروع الحاق العراق بمعسكر إيران الذي يسمي نفسه بالمقاومة والممانعة، ويجدر بالذكر أن قصف المنطقة الخضراء  متزامنا بأيام بقصف محيط مدينة اربيل، بقدر انه رسالة الى الكاظمي لإيقاف هجوم الجيش العراقي بطلب من تركيا لطرد حزب العمال الكردستاني التركي من مدينة سنجار والمحتمي بمليشيات الحشد الشعبي، بنفس القدر سيكون محصلة ذلك القصف تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي. أما المشروع الثاني هو مشروع الكاظمي وكاد ان يدفع حياته ثمنا له مثل رفيق الحريري ويقف خلفه التحالف الثلاثة المذكور، واعادة العراق الى حاضنة “الأمة العربية”.

واخيرا ان كل هذا الصراخ والعويل في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف حول الانسداد السياسي والركود السياسي الذي يخيم على المشهد السياسي العراقي، بالإمكان  تلخيصه في سؤال؛ هل كان الوضع السياسي في العراق مختلفا قبل هذا (الركود السياسي أو الانسداد السياسي) ومنذ تشكيل مجلس الحكم بقيادة بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال منذ عام ٢٠٠٣ وحتى انتخابات أكتوبر ٢٠٢١؟  الجواب عليه لا يحتاج إلى أي عناء، فالمرء يصل بسهولة إلى استنتاج أن ما يحدث في المشهد السياسي هو كوميديا هابطة بالمعنى المطلق وبحاجة الى اسدال الستار عليها.

 
 

قامت القوات الامريكية المرابطة في العراق بأغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس واخرين في مدينة بغداد صباح اليوم المصادف 3 كانون الثاني 2020.
ان عملية الاغتيال التي قامت بها القوات الامريكية هي عملية بلطجة سافرة وتعكس سياسة المافيا التي تمارسها الادارة الامريكية ضد منافسين لها واستهتار فاضح في بلد مستقل. انها لا تختلف عن اية عملية ارهابية تقوم بها العصابات والجماعات الارهابية في العالم.
ان عملية الاغتيال المذكورة هي سياسة  لاستعراض القوة العسكرية الامريكية وبلطجتها وترهيب منافسيها، وليس لها اية علاقة بحادث تطويق السفارة الامريكية من قبل مليشيات الحشد الشعبي قبل يومين.ان عملية الاغتيال هي امتداد للعملية العسكرية التي قامت بها القوات الامريكية من قصف معسكرات ومقرات المليشيات التابعة لحزب الله في منطقة القائم، وهي محاولة لاعادة ترتيب اوراقها السياسية وتقوية نفوذها السياسي في العراق وفي المنطقة، وتعتبر هذه السياسة هي اعلان حالة حرب وتعريض امن وسلامة جماهير العراق والمنطقة الى التهديدات العسكرية. 
يا جماهير العراق، لا تتوهموا بما تروجها الدعاية الامريكية بأنها حامية لامنكم وسلامتكم، فهي من حولت العراق الى حديقة خلفية للميلشيات والعصابات والمافيات التي تحركها ملالي قم-طهران، وهي من ساعدت على نصب هذه الجماعات على رقاب الجماهير عبر غزوها واحتلالها للعراق، وهي من فتحت ابواب النهب والسلب وكل اشكال الفساد السياسي والاداري والمالي كرشاوى لتلك الجماعات لها كي تضفي الشرعية على كل جرائم القوات الامريكية وسياستها في العراق.
ان سياسة الاغتيال والتصعيد العسكري ليس فقط  رسالة رعب وارهاب لكل من يعارض السياسة الامريكية فحسب بل ستفرض اجواء الحرب على مجمل المنطقة وتفرض التراجع على انتفاضة الجماهير ومطالبها العادلة.
 ان التصدي السياسي والجماهيري والدعائي وفضح الاهداف الحقيقة وراء تلك السياسة، سياسة الاغتيال والتصعيد العسكري والعمل من اجل غلق السفارة الامريكية واخراج كل القوات الامريكية والاجنبية من العراق خطوة نحو تقوية الافق التحرري لجماهير العراق المتعطشة للحرية والامان والرفاه.
تسقط سياسة البلطجة والمافية الامريكية
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي