بشار الأسد.. محطات طبيب العيون الذي فرض نفسه على تاريخ سوريا

بشار الأسد.. محطات طبيب العيون الذي فرض نفسه على تاريخ سوريا

على الرغم من الظروف التي أحاطت بصعوده إلى السلطة، شهدت حياة الرئيس السوري بشار الأسد محطات عدة شكلت مسار السياسة السورية لعقود، منذ حادثة وفاة شقيقه باسل في حادث سيارة عام 1994، والتي وضعت بشار على طريق السياسة، إلى تصاعد الأزمة السورية عام 2011 وما تلاها من تدخلات دولية، تطور حكم بشار الأسد بشكل مثير للجدل.

النشأة والعائلة.. خلفية صعبة في ظل حكم الأسد الأب

وُلد بشار حافظ الأسد في 1965 في دمشق، وهو ابن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد طوال أربعة عقود، وكان بشار الابن الثاني لحافظ الأسد، حيث سبقه في ترتيب الأخوة باسل الذي كان يُعد الوريث المنتظر.خلال فترة حكم والده حافظ الأسد، كانت سوريا تمر بتحديات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، على الرغم من أن بشار نشأ في ظل النظام البعثي القوي، إلا أن الفقر والتهميش الاجتماعي كانا سائدين في مناطق العلويين، التي ينتمي إليها بشار، مما أضاف مزيدًا من الضغوط عليه.

تربى بشار في أجواء سياسية شديدة، حيث كان والده يسعى لتثبيت حكمه، وخاصة بعد انقلاب 1970 الذي أطاح بالحركة القومية وأرسى حكمًا استبداديًا، وفي ظل هذه البيئة، كان بشار بعيدًا عن السياسة حتى نهايات الثمانينيات، عندما بدأ يظهر تدريجيًا كخليفة محتمل لوالده.

التحصيل العلمي والانتقال إلى السياسة

خلافًا لبقية أفراد عائلته، اختار بشار دراسة الطب بدلًا من التوجه العسكري أو السياسي، فدرس طب العيون في جامعة دمشق، ثم أكمل دراسته في لندن في مستشفى تشارينغ كروس. هذه المرحلة كانت حاسمة في حياة بشار، حيث تمكن من العيش بعيدًا عن الأضواء السياسية وتكوين شخصيته بعيدًا عن التدخل المباشر في شؤون الحكم.لكن في عام 1994، أُجبر بشار على العودة إلى دمشق بعد وفاة شقيقه الأكبر باسل في حادث سيارة، كان باسل هو الوريث المفترض لحكم سوريا، وكان شخصية محورية في الجيش السوري، وبعد وفاته، وجد بشار نفسه في طليعة السلطة السياسية في البلاد.

تولي الرئاسة.. الوعود بالإصلاحات والصعوبات المبكرة

عندما توفي حافظ الأسد في عام 2000، تولى بشار الرئاسة بعد تعديل دستوري يسمح له بتولي المنصب في سن الـ34. في البداية، كانت له خطط لإحداث تغييرات، وظهرت أصداء عن “ربيع دمشق”، وهي فترة شهدت بعض الانفتاح السياسي والإعلامي، وكان هناك أمل في أن يعيد بشار تشكيل النظام السوري ويقوده نحو الإصلاحات.ولكن مع مرور الوقت، تبين أن بشار، رغم تعهداته بالإصلاح، استمر في النهج الاستبدادي الذي كان يمارسه والده، إذ تجنب أي تغييرات جوهرية في النظام السياسي، بل واجه القمع السياسي للمعارضة بشدة، وبدأت تظهر بوضوح معارضة داخلية وخارجية، ولكن بشار ظل متمسكًا بحكمه، واستمر في قمع أي تحركات ضد النظام.

الصعود والتحديات.. السياسة الإقليمية والعلاقات الدولية

في عام 2003، كانت بداية مواجهة بشار مع السياسة الدولية، حيث كانت حرب العراق نقطة تحول في علاقات سوريا مع الولايات المتحدة، حيث اتهمت واشنطن النظام السوري بدعم الإرهاب، وخاصة حزب الله وحركة حماس، وأخذت تداعيات هذه الاتهامات منحى تصاعديًا حتى عام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان، مما أدى إلى فرض ضغوطات دولية على سوريا.خلال هذه الفترة، كان النظام السوري يُشرف على القوات العسكرية في لبنان، الأمر الذي أدى إلى خروج الجيش السوري من لبنان تحت ضغط دولي وعربي، كما فرضت العقوبات الاقتصادية على سوريا، مما أثر على الاقتصاد وأدى إلى انعكاسات سلبية في الحياة اليومية.

اندلاع “الثورة السورية”.. حرب أهلية دامية

في عام 2011، اندلعت الاحتجاجات في سوريا على غرار الربيع العربي الذي اجتاح العديد من الدول العربية، بدأ الشعب السوري في المطالبة بالحرية والكرامة، لكن السلطات السورية قوبلت هذه الاحتجاجات بالقمع العنيف، سرعان ما تطورت الأمور إلى حرب أهلية شاملة، حيث واجه النظام السوري تمردًا مسلحًا من قبل المعارضة.دخلت سوريا في دوامة من العنف المستمر، وانقسمت البلاد إلى مناطق تحت سيطرة مختلف الفصائل المسلحة، بينما تدخلت قوى إقليمية ودولية في النزاع. دعمت روسيا وإيران النظام السوري بشكل كبير، بينما دعمت تركيا والدول الغربية الفصائل المعارضة، وخلفت هذه الحرب مئات الآلاف من الضحايا ودمرت العديد من المدن السورية.

التدخلات الدولية.. روسيا وإيران في دعم الأسد

على مدار الحرب، حافظ بشار الأسد على سلطته بدعم من روسيا وإيران، وكان التدخل العسكري الروسي عام 2015 حاسمًا في تعزيز موقف النظام، حيث نفذت الطائرات الروسية ضربات جوية مكثفة ضد المعارضة، مما ساعد الجيش السوري على استعادة العديد من المناطق الاستراتيجية، كما قدمت إيران دعمًا عسكريًا مباشرًا عبر ميليشيات متعددة، ما جعل النزاع السوري أكثر تعقيدًا.في المقابل، استمر الغرب في فرض العقوبات على الحكومة السورية، ولم يكن لدى بشار الأسد أي خيار سوى الاعتماد على الحلفاء الإقليميين والدوليين للبقاء في السلطة.

أزمة مستمرة وتأثير الحرب على سوريا

بعد أكثر من عقد من الحرب، تمسك بشار الأسد في السلطة، رغم الخسائر البشرية الكبيرة والدمار الذي لحق بالبنية التحتية في سوريا، وصمد في وجه كافة الضغوطات، لكنه أضرَّ بشكل كبير بحياة ملايين السوريين الذين عانوا من القتل والنزوح.في السنوات الأخيرة، حاول النظام السوري استعادة الاستقرار، لكنه واجه تحديات اقتصادية كبيرة، خاصة في ظل العقوبات الغربية والمشاكل الداخلية.

اتفاقات طوق نجاة للنظام

بين عامي 2018 و2020، شهدت سوريا إبرام اتفاقات برعاية قوى إقليمية ودولية، أسفرت عن تحوّل في الوضع العسكري والسياسي. فقد تمكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة على الجزء الأكبر من البلاد، بينما تقاسمت المعارضة المسلحة الإسلامية والجماعات الكوردية السيطرة على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا.

هذه الاتفاقات منحت بشار الأسد مزيداً من الثقة، إذ بدأ في استعادة مكانته الإقليمية بعد تدهور علاقاته الخارجية نتيجة الانتفاضة. فقد عاد تدريجياً إلى الساحة العربية، حيث تم استعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية عام 2023 بعد سنوات من تعليق عضويتها. كما جددت عواصم عربية قطع علاقاتها معه التواصل، مع إعادة فتح سفارات عربية في دمشق.

ورغم الأزمات الاقتصادية التي كانت تعصف بسوريا في بداية العقد الثالث من حكمه، بدا الأسد وكأنه نجا من أكبر تحدٍ واجه حكمه. ومع انتهاء سنوات طويلة من الصراعات الداخلية الدامية، دخلت المنطقة مرحلة من الهدوء النسبي.

حرب غزة

لكن في أكتوبر 2023، شنت حركة حماس هجوماً مفاجئاً على إسرائيل، ما أدى إلى اندلاع حرب في قطاع غزة، انتقلت تبعاتها سريعاً إلى لبنان، حيث طالت بشكل خاص حزب الله، حليف الأسد، وقد تكبد الحزب خسائر فادحة في المواجهات مع إسرائيل، بما في ذلك مقتل أغلب قادته، ومن بينهم الأمين العام حسن نصر الله.

8 كانون الأول / ديسمبر  2024.. انهيار حقبة نظام الأسد

 وبعد موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار، تحولت الأنظار بشكل دراماتيكي إلى سوريا، حيث شنت فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً مفاجئاً على مدينة حلب في اليوم ذاته الذي بدأ فيه تطبيق وقف إطلاق النار في لبنان. وقد نجحت المعارضة في السيطرة على المدينة في وقت قياسي، لتمضي قدماً وتسيطر على حماة، ثم دمشق، ما أسقط حكم الأسد.وبذلك، انهار حكم بشار الأسد الذي استمر 13 عاماً من القتال، ليضع نهاية لعهد آل الأسد الذي استمر 54 عاماً.

summereon

اترك رد