الأمن الإقليمي بعد سقوط النظام السوري: التحديات والحلول للعراق .
رامي الشمري
مقدمة :
في ظل الاستقرار النسبي الذي يعيشه العراق بعد دحر تنظيم “داعش” والحد من التهديدات الإرهابية، لا يزال الخطر الأكبر يحدق بأمنه القومي بسبب الفوضى المستمرة في سوريا . مع انهيار النظام السوري ، وسيطرة الفصائل المسلحة على معظم الأراضي السورية، تحولت الحدود العراقية السورية إلى ساحة للصراعات والتهديدات المحتملة .
⭕️ الحدود العراقية السورية التي كانت في السابق نقطة عبور للجماعات الإرهابية، باتت اليوم ساحة للتنافس بين مختلف الفصائل المسلحة التي تدعمها قوى إقليمية ودولية . وبالنظر إلى هذه التحولات، فإن من الضروري أن يتبنى العراق استراتيجية وقائية لحماية حدوده وتأمين استقراره الوطني . في هذا السياق، تبرز فكرة فرض ” منطقة عازلة ” على الحدود العراقية السورية كحل استراتيجي لضمان الأمن .
⭕️ تدمير “داعش” للمعالم الحدودية بين العراق وسوريا خلق فراغًا أمنيًا خطيرًا، حيث تحولت الحدود إلى ممرات مفتوحة للتهريب والجماعات المسلحة . هذه الفوضى تتيح فرصة استراتيجية لفرض منطقة عازلة تمتد عبر الحدود وحتى داخل الأراضي السورية، مما يسمح للعراق بفرض سيطرته على المعابر وقطع طرق الإمداد . باستخدام تقنيات متقدمة مثل الطائرات المسيرة، يمكن تأمين الحدود بشكل فعال، وتحويل هذا الفراغ إلى خط دفاعي حيوي ضد أي تهديدات إرهابية أو عسكرية . هذه المنطقة العازلة ليست فقط خطوة أمنية، بل فرصة لتثبيت الاستقرار في واحدة من أخطر المناطق الحدودية في العالم .
1. التهديدات المحتملة نتيجة لتدهور الأوضاع في سوريا :
بعد انهيار النظام السوري، تزايدت المخاوف من تداعيات الفوضى في سوريا على الأمن العراقي . ومع غياب حكومة مركزية قوية، باتت الحدود السورية العراقية عرضة لتسلل الجماعات المسلحة وتهريب الأسلحة والمقاتلين .
⭕️ ازدياد الفوضى في سوريا :
مع تصاعد النزاع بين مختلف الفصائل المسلحة في سوريا، تشمل تلك المدعومة من تركيا ومنظمات كردية، قد يزداد الفراغ الأمني على الحدود، ما يتيح للمنظمات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة” استغلال هذه المناطق كنقاط عبور . وفقًا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية في 2023 ، فإن الهجمات عبر الحدود العراقية السورية شكلت أكثر من 15% من الهجمات الإرهابية التي استهدفت العراق، مما يعكس التهديد المستمر .
⭕️ التسلل عبر الحدود :
تمتد الحدود السورية العراقية لأكثر من 600 كيلومتر، وهي منطقة استراتيجية شهدت العديد من الحوادث التي شملت تهريب الأسلحة وعبور المقاتلين . وفقًا لتقرير * الأمم المتحدة * في 2022 ، تمثل الحدود العراقية السورية 15% من الهجمات الإرهابية التي استهدفت العراق منذ بداية الأزمة السورية . وعليه، فإن تزايد عمليات التسلل عبر هذه الحدود أصبح يشكل تهديدًا متزايدًا .
⭕️ تهديدات الفصائل المسلحة :
الفصائل مثل “حزب العمال الكردستاني” ( PKK ) و”الجيش السوري الحر”، إضافة إلى بعض الجماعات المتطرفة الأخرى، قد تستغل الفوضى الأمنية على الحدود لنقل الأسلحة والمقاتلين . بينما تسعى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتعزيز سيطرتها على المناطق الحدودية بهدف توسيع نفوذها الكردي في العراق .
2. دعم تركيا للفصائل السورية :
لطالما كانت تركيا لاعبا رئيسيا في الأزمة السورية، حيث دعمت الفصائل المسلحة التي سعت إلى إسقاط النظام السوري بقيادة بشار الأسد . تركيا قامت بتقديم الدعم العسكري واللوجستي للعديد من هذه الفصائل، بما في ذلك هيئة تحرير الشام و الجيش السوري الحر ، وأصبح لها دور محوري في معركة السيطرة على أراضٍ سورية كانت تحت سيطرة النظام .
⭕️ استغلال تركيا للوضع السوري :
في ظل الوضع الحالي في سوريا، تسعى تركيا إلى استغلال فوضى ما بعد الأسد للتفاوض أكثر مع العراق ودول المنطقة، مرورًا بمصالحها . هذه الخطوة قد تكون في شكل تعزيز وجودها العسكري في شمال سوريا، مما يعزز قدرتها على التحكم في الحدود السورية العراقية، ويتيح لها فرض شروط على الحكومة العراقية في إطار التفاهمات الإقليمية .
⭕️ الضغط على العراق :
من المتوقع أن تسعى تركيا إلى زيادة الضغوط على العراق، خاصة في ملف الأكراد، حيث تسعى أنقرة للحد من النفوذ الكردي في العراق . سياسات تركيا في سوريا قد تصبح أداة ضغط على الحكومة العراقية لتقليص الدعم للأكراد العراقيين أو لتنفيذ مواقف أكثر مرونة حيال التهديدات الأمنية في شمال العراق .
3. دور القوى الكبرى في إعادة تموضع النفوذ بعد سقوط الأسد :
⭕️ إن التنافس الإقليمي والدولي على إعادة تموضع النفوذ في سوريا بعد سقوط النظام، يعد من العوامل الحاسمة التي تؤثر على الوضع الأمني في العراق . روسيا وإيران، جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة، تلعب دورًا محوريًا في تحديد مسار الأحداث في سوريا، وهو ما ينعكس مباشرة على استقرار العراق .
⭕️ دور روسيا :
تعد روسيا من اللاعبين الرئيسيين في سوريا، حيث تدخلت عسكريًا لصالح النظام السوري منذ عام 2015. عقب انهيار النظام، ستسعى موسكو للحفاظ على نفوذها في المنطقة، خاصة في المناطق الاستراتيجية مثل البحر الأبيض المتوسط، ومن خلال تعزيز وجودها العسكري في سوريا . بالنسبة للعراق، فإن موسكو تسعى لتعميق العلاقات السياسية والعسكرية معه، ما يعزز من تواجدها في الشرق الأوسط . من المتوقع أن تواصل روسيا دعمها للفصائل الموالية لها في الجنوب السوري، وهو ما قد يؤثر على الأمن العراقي عبر الحدود الغربية .
⭕️ دور الولايات المتحدة :
الولايات المتحدة، التي كانت حليفًا رئيسيًا لقوات قسد ، ستسعى بدورها لاستغلال الفراغ الذي قد يحدث بعد انهيار النظام السوري . واشنطن قد تعمل على تعزيز وجودها في العراق ومناطق الحدود السورية العراقية لضمان عدم انتشار النفوذ الإيراني أو الروسي في المنطقة . في المقابل، قد تشهد العلاقات العراقية الأمريكية توترًا بسبب الضغط الأمريكي على الحكومة العراقية للتعامل مع الفصائل المسلحة ( تنسيقية المقاومة) . التحركات الأمريكية قد تشمل دعم العراق عسكريًا وتقنيًا لمواجهة التهديدات القادمة من الحدود السورية .
🔻 دور القوى الأخرى :
إلى جانب القوى الكبرى، تظل دول مثل ( السعودية و الأردن و دول الخليج ) لاعبين مؤثرين في التنافس على إعادة ترتيب النفوذ في سوريا والمنطقة . هذه الدول ستعزز من دعمها للمعارضة السورية ولنظام ما بعد الأسد بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة .
4. السيناريوهات المستقبلية : التنافس بين الفصائل الكردية والفصائل الموالية لتركيا :
مستقبل الحدود العراقية السورية قد يكون مرهونًا بتفاقم التنافس بين الفصائل الكردية وفصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وهو ما سيؤدي إلى تعقيد الوضع في العراق .
⭕️ التصعيد العسكري بين الفصائل :
التصعيد بين “قسد”المدعومة من الغرب، والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية في المناطق الحدودية . مع تصاعد الاشتباكات بين هذه الفصائل، قد تزداد الفوضى في شمال العراق، ما يعرض أمن العراق لمزيد من التهديدات .
⭕️ تأثيرات سياسية على العراق :
زيادة التوترات بين الأكراد في العراق وتركيا قد تؤثر بشكل مباشر على الوضع السياسي في إقليم كردستان، الذي تربط علاقات مع فصائل كردية سورية . هذا الصراع قد يعمق التصدعات داخل العراق ويزيد من تعقيد العلاقات بين بغداد وأنقرة .
5. ضرورة فرض منطقة عازلة : حماية للأمن الوطني :
في مواجهة هذه التهديدات، تعتبر فرض 🔻 منطقة عازلة على الحدود العراقية السورية خطوة استراتيجية هامة لضمان استقرار العراق . هذه المنطقة ستمنح العراق القدرة على مكافحة التسلل عبر الحدود وحماية المناطق الحدودية من أي تصعيد عسكري .
⭕️ منع التسلل الإرهابي :
يمكن للمنطقة العازلة أن تشكل حاجزًا أمنيًا فعالًا، يقف بين العراق وفوضى ما بعد النظام السوري . هذه الخطوة ستساهم في الحد من التهديدات الإرهابية عبر قسد والفصائل السورية الأخرى .
⭕️ قطع خطوط الإمداد :
تعزيز الرقابة في المنطقة العازلة سيساهم في قطع طرق تهريب الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود العراقية السورية، مما يحول دون تعزيز الأنشطة الإرهابية داخل العراق .
⭕️ تعزيز الردع العسكري :
المنطقة العازلة ستمنح القوات العراقية الفرصة للتحرك بسرعة لمواجهة أي تهديد قد يتسلل إلى عمق الأراضي العراقية . كما ستوفر القوات العراقية
مجالًا أكبر لتطوير استراتيجيات دفاعية فعالة في مواجهة أي تطورات على الحدود .
6. دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تأمين الحدود :
مع تصاعد التهديدات على الحدود العراقية السورية، يعتبر استخدام التكنولوجيا المتقدمة و الذكاء الاصطناعي من الأدوات الفعالة في تعزيز الأمن والردع على الحدود . يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تحديد الأنماط السلوكية للمجموعات الإرهابية والفصائل المسلحة، من خلال التعرف على الوجوه و تحليل الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية و الكاميرات الأمنية .
⭕️ مراقبة الحدود بالذكاء الاصطناعي :
يمكن تطبيق أنظمة متطورة للرصد والمراقبة مثل الطائرات المسيرة (الدرون)، التي تُمكّن من مراقبة الحدود بدقة عالية . وباستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي للتعرف على الأنماط , يمكن للكاميرات الحرارية والدرونات أن تميز بين الأنشطة الطبيعية والمشبوهة، مما يتيح استجابة سريعة لتهديدات التسلل .
⭕️ استخدام تقنيات التحليل الكبير للبيانات ( Big Data ) :
تساعد هذه التقنيات في جمع وتحليل البيانات الضخمة من مصادر متعددة مثل شبكات التواصل الاجتماعي، والاتصالات الهاتفية، والتقارير الاستخباراتية . يمكن للذكاء الاصطناعي أن يربط بين الأحداث المتفرقة ويحدد التهديدات المحتملة، مما يعزز من قدرة القوات الأمنية على اتخاذ إجراءات استباقية .
🔻 تعزيز التعاون الإقليمي والدولي باستخدام التكنولوجيا :
عبر الشراكات مع دول أخرى ومع المجتمع الدولي، يمكن للعراق الاستفادة من التقنيات المتقدمة مثل المراقبة عبر الأقمار الصناعية ، التي تتيح مراقبة تحركات الفصائل المسلحة عبر الحدود .
7. الجدار كخط حماية استراتيجي :
⭕️ المنطقة العازلة التي ستفرض على الحدود العراقية السورية يجب أن تكون جزءًا من جدار أمني استراتيجي لتأمين العراق من التهديدات المستمرة . هذه الخطوة ستكون حاسمة في منع انتقال الفوضى من سوريا إلى العراق في حال استمر الوضع في سوريا في التدهور .
⭕️ إلى جانب فرض المنطقة العازلة، من الضروري أن يعزز العراق تحالفاته الإقليمية مع دول مثل الأردن والسعودية لتأمين حدوده بشكل فعال، حيث يمكن لهذه الدول أن تشارك في تعزيز الاستقرار على الحدود ومنع تهريب الأسلحة والمقاتلين . كما أن التعاون مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيكون حيويًا في تقديم الدعم العسكري والتقني، خصوصًا في مجالات التدريب والمراقبة باستخدام التقنيات الحديثة .
8. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية :
لا تقتصر تداعيات الفوضى السورية على الجانب الأمني فحسب، بل تشمل أيضًا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للعراق .
⭕️ الآثار الاقتصادية :
تؤثر الفوضى على الحدود بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي من خلال التهريب التجاري و تهريب الموارد كما أن تدفق المقاتلين والأسلحة يمكن أن يعرقل الاستثمارات الأجنبية في العراق، خاصة في المناطق الحدودية التي تشهد توترات .
⭕️ الآثار الاجتماعية :
فرض المنطقة العازلة سيتطلب التفاعل مع المجتمعات المحلية، خاصة في المناطق الحدودية . قد يترتب على هذه الإجراءات تهجير بعض العائلات أو تغيير في التركيبة الاجتماعية، مما يستدعي خطة لاحتواء الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الخطوات على المواطنين .
9. دور المجتمع الدولي :
بينما تعد المنطقة العازلة خطوة حاسمة من قبل العراق لحماية حدوده، فإن الدور الدولي لا غنى عنه في دعم هذه المبادرة . يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والتحالف الدولي، تقديم الدعم اللوجستي والمساعدة في مراقبة الحدود لضمان تنفيذ هذه الاستراتيجية بنجاح . الدعم الدولي يمكن أن يشمل المساعدة في تدريب القوات العراقية وتوفير التقنيات المتقدمة لمراقبة الحدود .
⭕️ الخاتمة : حماية أمن العراق، خط الدفاع الأخير
إن العراق يقف أمام تحديات أمنية خطيرة في ظل الانهيار الكبير للنظام السوري . مع دعم تركيا للفصائل السورية المدعومة من المعارضة ومع تصاعد الصراعات بين الفصائل الكردية والفصائل الموالية لأنقرة، أصبح الأمن العراقي مهددًا على جبهات متعددة . المنطقة العازلة على الحدود العراقية السورية لا تمثل مجرد خيار، بل هي خط الدفاع الأخير لحماية العراق من تداعيات فوضى سوريا .
التهديدات المحتملة من الجماعات الإرهابية والفصائل المسلحة قد تؤدي إلى تصعيد الأوضاع الأمنية في العراق . كما أن الدعم التركي لفصائل المعارضة في سوريا قد يسهم في زيادة الضغط على العراق، ما يجعل من فرض منطقة عازلة ضرورة استراتيجية لضمان استقرار العراق .
من هنا، فإن القرار الحاسم اليوم هو فرض المنطقة العازلة كإجراء وقائي استباقي لحماية الأمن القومي العراقي . في مواجهة هذه المخاطر المتزايدة، لا مجال لتأجيل القرار : إما أن يتخذ العراق خطوات حاسمة الآن لحماية حدوده، أو أن يدفع الثمن في المستقبل .
مرتبط