“على الحكومات العربية تجهيز بيانات الإدانة مسبقًا وترك خانة البلد المعتدى عليه شاغرة”

“على الحكومات العربية تجهيز بيانات الإدانة مسبقًا وترك خانة البلد المعتدى عليه شاغرة”

راجي سلطان الزهيري

في ظلّ الأحداث المتسارعة التي تعصف بالمنطقة العربية والإسلامية، يبدو المشهد السياسي العربي غارقًا في دائرة مغلقة من البيانات الجاهزة التي لا تتجاوز حدود الإدانة والشجب. هذا السلوك السياسي التقليدي، الذي أصبح أشبه بطقس دبلوماسي روتيني، لا يعكس فقط عجز الأنظمة العربية عن اتخاذ مواقف جادة تجاه التحديات الكبرى، بل يكشف أيضًا عن غياب رؤية استراتيجية تضع مصالح الشعوب والأوطان فوق الحسابات الضيقة.

السياق الراهن: بين سقوط الأسد وتصاعد النزاعات

بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية وما تبعها من دمار، ومع تراجع نفوذ نظام بشار الأسد تدريجيًا، تبدو الصورة قاتمة بالنسبة للعديد من الدول العربية. هذا السقوط المتوقع للنظام السوري لم يأتِ كنتيجة لحلول داخلية أو موقف عربي حازم، بل جاء كجزء من صراع دولي وإقليمي غابت فيه الإرادة العربية عن الطاولة، مكتفية بمراقبة المشهد من بعيد.

وفي الجهة المقابلة، تستمر الحروب الدائرة بين إسرائيل من جهة وغزة ولبنان من جهة أخرى، لتكشف عن عمق الانقسامات العربية وضعف الردود الموحدة. وبينما تقوم إسرائيل بتنفيذ هجماتها، تتجه الأنظار إلى البيانات العربية الرسمية التي لا تتجاوز عادة جملًا من قبيل نُدين بشدّةونستنكر بأقسى العبارات“. وكأن تلك الكلمات قادرة على ردع الصواريخ أو وقف العدوان.

شرق أوسط جديد بأيدٍ إسرائيلية

تصريحات بنيامين نتنياهو حول شرق أوسط جديدليست مجرد كلمات جوفاء، بل تحمل رؤية واضحة لمرحلة تُعيد فيها إسرائيل ترتيب الأوراق الإقليمية وفقًا لمصالحها. هذه الرؤية تشمل استهداف دول عربية وإسلامية غير مطبّعة، وربما غير متحالفة مع الغرب، في محاولة لتوسيع نفوذ إسرائيل وتقويض أي تهديد محتمل.

في هذا الإطار، فإن الدول التي لم تنخرط بعد في مسار التطبيع، مثل العراق وسوريا ولبنان، ستكون في مرمى التهديدات، ما يضع العالم العربي أمام اختبار جديد، يبدو أنه سيُدار بنفس الأدوات القديمة: الشجب والتنديد.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل عجز الأنظمة العربية عن اتخاذ مواقف جادة نابع من خوفها من التورط في نزاعات أكبر، أم أنه انعكاس لتواطؤ سياسي مع القوى الكبرى؟ في كلتا الحالتين، تبدو النتيجة واحدة: مزيد من التراجع العربي، ومزيد من الجرأة الإسرائيلية.

إن اكتفاء الدول العربية بتحضير بيانات الإدانة المعلّبة يكشف عن انقطاع عميق بين الأنظمة وشعوبها. فالشعوب العربية التي تتطلع إلى أفعال حقيقية تجد نفسها أمام أنظمة عاجزة حتى عن تحقيق تضامن رمزي يُرضي الكرامة العربية.

في ضوء هذا الواقع، على الدول العربية أن تُدرك أن بيانات الشجب لم ولن تحقق أي تغيير على الأرض. بدلاً من ذلك، يجب العمل على:

1. تحقيق وحدة عربية فعلية: تبدأ بتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بين الدول العربية لمواجهة التحديات المشتركة.

2. إحياء دور الشعوب: إعطاء دور أكبر للمجتمع المدني وللشعوب في صياغة السياسات الإقليمية، بدلًا من تركها حبيسة للأنظمة الحاكمة.

3. تطوير استراتيجيات دفاعية: تعزيز القدرات العسكرية للدول المستهدفة لتكون قادرة على مواجهة أي تهديدات خارجية.

4. مراجعة العلاقات الدولية: خاصة مع القوى الكبرى التي تستغل ضعف الموقف العربي لتحقيق مصالحها.

العرب اليوم أمام مفترق طرق تاريخي. بين شرق أوسط يرسمه نتنياهو وفقًا لأجندة إسرائيلية، وواقع عربي مشلول بفعل الانقسامات والتبعية، يبقى الخيار بيد الأنظمة والشعوب: إما الاستمرار في دوامة الشجب والاستنكار، أو اتخاذ خطوات جريئة تعيد للأمة مكانتها وقيمتها. ولكن في ظلّ المعطيات الحالية، يبدو أن الأرجح هو كتابة بيانات إدانة مُسبقة، مع ترك خانة البلد المعتدى عليه فارغة لتُملأ لاحقًا حسب الدور.

summereon

اترك رد