الاعلام المُفخخ سلطة ارهابية بقاط ورباط !
راجي سلطان الزهيري
طفرة مهنيّة كبيرة في مجال الإعلام شهدها العراق المُغيب بعد عام التغيير وولادة التجربة الديمقراطيّة، حيث تحوّل الإعلام المؤدلج من كونه محصوراً ضمن إطار الإعلام الرسمي الذي كان موجهاً من السلطات الحاكمة، إلى فضاء مفتوح يضم مئات القنوات الفضائية والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية. هذا التحول الكبير رافقه ظهور إعلاميين جدد ومؤسسات إعلامية ذات توجهات مختلفة، لا يمكن تجاوز ان بعضها كان مؤدلجاً لخدمة أجندات معينة، لكن البعض الآخر حاول أن يكون صوتاً مهنياً يعبر عن تطلعات الشارع العراقي وسط ازدحام الساحة الإعلامية العراقية بالغث والسمين من المؤسسات التي تعكس انتماءات طائفية، سياسية، وإيديولوجية مختلفة. أغلب هذه القنوات كانت مدعومة من جهات محلية وإقليمية ودولية، مما جعل الإعلام أداة صراع سياسي وطائفي بدلاً من كونه وسيلة لنقل الحقيقة وتعزيز الوحدة الوطنية، فافرزت تلك الجزئية سلطة ارهابيّة رابعة مهمتها التهديم الجمعي.
الكراهية: ثنائية الهويّة والخطاب
أبرز المشكلات التي يعاني منها الإعلام العراقي هو التخندق والتوجه الطائفي: بعض القنوات تروّج لخطاب طائفي يحرض على الكراهية والانقسام، اضف لذلك التحريض السياسي فبعض المؤسسات الإعلامية لا تخفي تحريضها ضد العملية السياسية وضد شخصيات معينة، مما يزيد من حدة الاستقطاب، ولا ابالغ اذا قلت ان كارثة عدم المهنية، هي لوثة اصابت الكثير من الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، حيث يتم خلط الرأي بالخبر وتحريف الحقائق لتحقيق مصالح معينة.
الاعلاميون: ارهاب تحت الطاولة
شهد العراق في الفترة الأخيرة ظهور عدد من الإعلاميين الذين استغلوا منصاتهم الإعلامية للترويج لأفكار وأجندات معينة، مستفيدين من غياب الرقابة الحكومية الصارمة. ومن الأمثلة الأخيرة:
الإعلامي احمد ملا طلال: خرج في برنامج يتحدث عن مقارنة بين ما حدث في سوريا والتفاف الدول العربية حولها، وبين العراق الذي وصفه بأنه في حالة تراجع. هذا الطرح أغفل حقيقة أن العراق بعد 2003 واجه معارضة عربية شرسة للتغيير السياسي فيه، حيث دعمت بعض الدول المجاميع الإرهابية تحت شعار “المقاومة” ودفعت بالمئات من “المجاهدين” لتفجير أنفسهم في المدن العراقية، ما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين.
اما الإعلامي علي النوري: في حادثة أخرى، قام بالتجاوز اللفظي على الكابتن يونس محمود، أحد رموز الرياضة العراقية، مما أثار استياء الجمهور العراقي الذي يرى في يونس شخصية وطنية تستحق الاحترام.
من الأمثلة الأخرى على الانحراف الواضح لبعض البرامج الرياضية في العراق برنامج حيدر زكي، الذي يُفترض أن يكون برنامجاً رياضياً تحليلياً يسلط الضوء على الأحداث الرياضية في العراق والعالم. إلا أن البرنامج انحرف عن مساره المهني وسبق ان أتُهم بقضايا مخالفة للاخلاق المهنيّة بمحاربة طرف على حساب طرف، غير ان المستغرب نراه وخلال ثلاثة أيام متتالية تجاهل تجاهلاً تاماً لموضوع كأس الخليج، الذي يُعتبر حدثاً رياضياً هاماً ويستحق التحليل والنقاش، بل بدلاً من ذلك، ركز البرنامج بشكل كامل على استهداف عدنان درجال، من خلال جمع عدد من الأشخاص للحديث عن انتقادات شخصية وغير مهنية موجهة إليه.
الدور الحكومي: غياب لافت
من المفترض أن تكون هناك رقابة صارمة على وسائل الإعلام التي تروج لخطابات الكراهية أو تحرّض على الفتنة، لكن للأسف، هناك ضعف واضح في هذا الجانب. الأسباب الرئيسية لذلك تشمل:
اولاً: غياب التشريعات الرادعة: قوانين الإعلام في العراق لا تزال غير قادرة على ضبط الفوضى الإعلامية.
ثانياً: تأثير الأحزاب السياسية فكثير من القنوات الإعلامية مدعومة من أحزاب سياسية قوية تجعل الحكومة مترددة في اتخاذ إجراءات ضدها.
ثالثاً: ضعف المؤسسات الإعلامية الرسمية: الإعلام الحكومي العراقي لا يزال غير قادر على منافسة القنوات الخاصة من حيث التأثير والجاذبية.
قوانين صارمة: الحل والربط!
إصلاح القوانين الإعلامية هو في مقدمة ما يجب القيام به فوراً، يجب تحديث القوانين بحيث تعاقب بصرامة أي وسيلة إعلامية أو إعلامي يروج للكراهية أو يحرض على العنف، كذلك تأسيس هيئة إعلامية مستقلة تكون مسؤولة عن مراقبة المحتوى الإعلامي وضمان التزامه بالمعايير المهنية.
ولا يخفى تشجيع الإعلام المهني من ناحية دعم القنوات والمؤسسات الإعلامية التي تسعى إلى تقديم محتوى مهني ووطني يعزز الوحدة الوطنية بدلاً من الانقسام.
اما التثقيف الإعلامي، فلابد من تثقيف الجمهور حول أهمية التحقق من الأخبار وعدم الانجراف وراء الإعلام الموجه، في النهاية، الإعلام في العراق يعكس الواقع السياسي والاجتماعي المتأزم، لكنه في الوقت ذاته يمكن أن يكون أداة للتغيير الإيجابي إذا ما تم توجيهه بشكل صحيح وبعيداً عن تأثير الأجندات الخارجية والمحلية الضيقة.