علي مجبل المليفي : السيرة الذاتية للقصيدة النثرية

علي مجبل المليفي : السيرة الذاتية للقصيدة النثرية

حاوره / راجي سلطان الزهيري :

تَخَيَّل هو لا يكتبُ الشعر بل الشعر من يكتبه ليُشعرك أن البنفسج لا يزالُ عليلاً في ليلِ العاشقين وزرازير البراري هاجرت نحو الاهوار تبحثُ عن اخرِ مشحوف حائر بتلك الحزينة، الشعرُ بنظره “طلابة جبيرة” لا تحتاج لـ رجفَّة بل قنبلة تَحْتَ الضلوع لذلك تمازجت حروفه بوهجِ المعاناةِ وتألق الإبداع فبرز اسمه كأحد الأصوات الشعرية التي حملت على عاتقها رسالة الكلمة الحرة وجعلت من القصيدة منبراً للتعبير عن الإنسانِ وهمومه وعن الوطنِ في أزمنة التيه والخذلان لانه الشاعر الإنسان والمشبعٌ بروحِ الجنوبِ حيث التاريخ العريق وحيث العراق في أصدق صوره بكل ما يحمله من شجنٍ وشموخ.

علي مجبل ليس مجرد شاعر يكتب القصيدة بل هو حالة ثقافية متكاملة جمعت بين الإبداع الشعري والعمل الثقافي الجاد إذ يشغل منصب رئيس التجمع الثقافي في سوق الشيوخ هذا التجمع الذي أصبح منبرًا للأدب والإبداع ومساحة تجمعُ بين الشعراء والكتاب والفنانين وتؤسس لمشهد ثقافي متجدد رغم تحديات الواقع.

في أجواء رمضانية مفعمة بالروحانية والدفء الثقافي، حلّت وكالة سومريون الإخبارية بضيافة الشاعر علي مجبل أحد الأصوات الشعرية البارزة في المشهد العراقي كانت ليلة امتزج فيها الشعر بالحوار واستحضرت فيها الذاكرة مسيرة شاعرٍ كرّس حياته للكلمة، وجعل من القصيدة منبرًا للفكر والموقف.

س-يُقال بأن شَغَف البدايات نشأ معك مبكراً باعتباره نتاج طبيعي لنضج التجربة الشعرية، حدثنا عن تلك الطفولة الادبية، وكيف نبتت اول فسيلة شعر؟

شغفي بالشعر بدأ منذ المرحلة المتوسطة حيث كان لأساتذتي في اللغة العربية دور كبير في تشجيعي على الكتابة والإلقاء، شاركت في مسابقات الخطابة والشعر على مستوى المدارس ثم توسعت مشاركاتي إلى مستوى المحافظة وحققت مراكز متقدمة حتى وصلت إلى المنافسات الوطنية التي تنظمها وزارة التربية. حصلت على المركز الثاني مرة وعلى المركز الرابع مرة أخرى. كانت القصائد التي ألقيتها من كتابة أستاذي الراحل عادل حمودة، الذي صقل موهبتي وضبط نصوصي لغويًا. لا زلت أحفظ قصيدتين كتبَهما لي: إحداهما عن فلسطين، والأخرى عن لبنان، وعليه اعتبر منذ سن مبكرة حققت مراكز متقدمة على مستوى العراق. وكانت لمكتبات المدينة، وخصوصًا المكتبة المحمدية في جامع الإسماعيلية دورٌ كبير في تشكيل وعييّ الأدبي إذ نهلت منها مختلف المعارف وصقلت تجربتي قراءاتٌ واسعة تراوحت بين الشعر الكلاسيكي والحديث مرورًا بالنصوص الفلسفية والفكرية التي زادت من عمق رؤيته للعالم، لذلك جاء الشعر بجمالية الصورة وعمق الفكرة وقدرة عالية على التقاط التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى مشاهد شعرية آسرة، وناقلة لصوت المهمشين وساردة للحكايات التي لا يلتفت إليها التاريخ الرسمي.

حبي للقراءة والمطالعة استمر في النمو خاصة خلال ترددي اليومي على مكتبة “المحمدية” في جامع الإسماعيلية. حتى خلال فترة خدمتي العسكرية، ظللت أقرأ وأكتب واستمر هذا الشغف معي عندما عملت في المجال التربوي. نشرت أولى قصائدي مطلع التسعينيات في الصحف العراقية والخليجية، ثم توالت مشاركاتي في المهرجانات والملتقيات الثقافية داخل العراق وخارجه.

س-الى اي مدى تحكمت البُنّية الجغرافية وذكرياتها في صياغة نصّك الشعري؟

البيئة الثقافية في مدينتي لعبت دورًا أساسيًا في تكويني الأدبي حيث كان الشعر جزءًا من الحياة اليومية. الاحتفاء بالشعراء، والمهرجانات التي تقام في شارع لطفي والإسماعيلية خاصة في ذكرى ولادة الإمام علي والإمام الحسين كانت محطات مهمة في رحلتي الأدبية. في صغري كنت متابعًا لمجلتي “المزمار” و”مجلتي” ثم انتقلت لاحقًا إلى مجلة “العربي” الكويتية وقرأت دوريات ثقافية مثل “طريق الشعب” و”الثقافة الجديدة” والتي أسهمت في تشكيل وعيي الأدبي.

س-طيب متى يكون الشعر بنظر مجبل منبراً حُراً هائلاً للرفض والتمرد وتحريك الحسّ المناهض؟

القراءات الأولى تساهم في تشكيل الوعي الشعري لكنها لا تكفي وحدها. التجربة الحياتية بكل صراعاتها هي التي تصقل الشاعر. أنا أنتمي إلى جيل تشكَّل وسط الحروب حيث كان الوطن فخًا مليئًا بالقتلة والبسطاء والمغفلين. كان الشعر وسيلةً للرفض والتمرد على الواقع القاسي الشعر ليس مجرد ترفٍ لغوي بل هو صوت للناس ومرآةٌ تعكس معاناتهم. اليوم في زمن الفوضى الرقمية لا يزال الشعر قادرًا على تحريك المشاعر وتغيير المفاهيم لكنه يواجه منافسة قوية من السرد الأدبي.

س-الحداثة والكلاسيكية تقاسمتا تجربتك، باعتبارها متمردة وعصيّة على الجمود من هم الشعراء الذين تأثرت بهم؟

الشعرية العراقية الحديثة صنعت تجربتها الخاصة إذ مزجت بين الكلاسيكية والحداثة وتمردت على القوالب التقليدية. في بداياتي كنت متأثرًا بنزار قباني ثم قرأت لحسين مردان فاضل العزاوي ومحمود درويش. لاحقًا تعمقت في قصيدة النثر العراقية والعربية وتنوعت قراءاتي بمرور الوقت.

س-هل يمكنك عنَّونة أسلوبك الشعري وما الذي يميزه عن غيره؟

هذا سؤال أحيله للنقاد .
أجاب عليه مجموعة من النقاد الكبار وعلى رأسهم الأستاذ أحمد الباقري وعلوان السلمان ووجدان عبد العزيز وأحمد الشطري وعقيل هاشم وكتب عن تجربتي أساتذة أفذاذ منهم على الغريفي ووليد خيون وجبار وناس وغيرهم على مستوى الوطن .
إن الذي يميز صوتي هو طريقة كتابتي لقصيدة النثر العراقية.
أزعم إني لا أشبه إلا نفسي .

س-ما القصيدة الأقرب إلى قلبك وتعتبرها احبُ اطفالك إليك، وهل لديك جوائز ومهرجانات لا تغادر الذاكرة؟

اعتز بجميع قصائدي لانها كالها سواسية عندي، وشاركت في معظم المهرجانات الشعرية في العراق منذ سقوط النظام السابق وحتى اليوم. ومن الجوائز التي أعتز بها حصولي على المركز الثاني في مسابقة مهرجان المربد التربوي عام 2013، وهو مهرجان شهد مشاركة معظم الأسماء الشعرية العراقية.

س-لكل شاعر غيِبة وعُزلة، يا تُرى من أين تستلهم أفكارك وهل لديك طقوس خاصة في الكتابة؟

الإبداع الشعري حالة عابرة للوقت يفرض نفسه في لحظة ما سواء كنت في عزلة أو وسط ضجيج الحياة. لا أؤمن بوجود طقوس ثابتة، فالنص يولد متى شاء، وعلى الشاعر أن يكون جاهزًا لاستقباله.

س-عند إلقاء قصائدك أمام الجمهور، من منكمّا يمنح الآخر الاحساس؟

الشاعر هو مرآة مجتمعه، يحمل همومه وأحلامه، ويمنح الكلمات صوتًا يعبر عن آلام الناس وآمالهم. حين أقف على المنصة، أشعر بأنني أشارك الآخرين جزءًا من حقيقتهم.

س-الكُلّ يسأل، لماذا لم يُقام مهرجان مصطفى جمال الدين منذ سنتين، وهل ثمّة مشكلة في التجمع الثقافي أم وزارة الثقافة؟

مهرجان مصطفى جمال الدين الثقافي أقيم سبع مرات سابقًا وهو الآن بانتظار الموافقات الرسمية من مجلس الوزراء لإنجاز النسخة الثامنة. المشكلة الأساسية تتعلق بالمكان حيث يحتاج “مركز الشهيد فرقد الحسيني” إلى إعادة تأهيل وتفريغه من إشغال الدوائر الرسمية له، رغم مطالباتنا المستمرة بهذا الشأن.

س-برأيك، هل ساهم توظيف النص الديني والتاريخي في إثراء القصيدة ام حولها لمنبرٍ سياسي؟

التراث هو معين لا ينضب ومن يقطع صلته به يبقى معلقًا في الهواء. النصوص الدينية والتاريخية تشكل مصدر إلهام دائم، لكن الأهم هو كيفية توظيفها بذكاء في السياقات الحديثة.

أما مستقبل الأدب، فأراه يميل نحو السرد أكثر من الشعر. رغم أن الروح تظل مشدودة للشعر، إلا أن الرواية والقصة تفرض نفسها بقوة في المشهد الثقافي المعاصر.

س-بعد نجاح الأمسيات الشعرية الثنائية، هل ترى أن تكرارها كان بسبب نجاحها الجماهيري؟

بالتأكيد عندما ينجح نموذج معين، فإنه يشجع على تكراره. استضافة أكثر من شاعر في أمسية واحدة يخلق عنصر التشويق والمنافسة ويجذب الجمهور من مختلف الاهتمامات. هذه الفكرة ليست مقتصرة على الشعر بل يمكن تطبيقها على المسرح والفنون التشكيلية وحتى التصوير. الأهم هو تحريك المشهد الثقافي وإثراءه.

س-كيف تنظر لدور الشاعر المفترض في قضايا المجتمع؟

الشاعر ليس مجرد شاهد على الأحداث بل هو فاعل فيها. كلماته قد تكون سلاحًا يواجه به القبح والظلم أو نافذةً تفتح أبواب الأمل. دوره الأساسي هو إعادة تشكيل الوعي وإثارة الأسئلة التي يخشى الآخرون طرحها.

س-مشاريعك الأدبية القادمة، وهل هناك ديوان جديد في الطريق؟

هناك ديوان شعري قيد الإنجاز بالإضافة إلى مشاريع ثقافية أخرى ضمن أنشطة التجمع الثقافي واتحاد الأدباء في العراق.

س-هل لديك نصيحة للشعراء الشباب في ظلّ الفوضى وتضخمّ الذات الحاليين؟

زمن النصائح قد ولى. أمام الجيل الجديد تحديات كثيرة والمغريات أكثر من أي وقت مضى. النجاح لا يأتي بسهولة بل يحتاج إلى مثابرة وصبر وإلا فلن يصلوا إلى شيء.

summereon

7 thoughts on “علي مجبل المليفي : السيرة الذاتية للقصيدة النثرية

  1. شكرأ لوكالة سومريون وهي تسلط الضوء على مبدعينا….والاستاذ،علي مجبل احد اهم المبدعين في هذه المدينه لمى يمتلكه من حس شعري رائع وقياده متوازنه لبيتنا الثقافي في سوق الشيوخ….محبتي لكما

  2. علي مجبل شاعر فذ وهو من فرسان القصيدة .حفظك الله استاذ راجي سلطان الزهيري وحفظ مبدعنا الكبير أبا ديار ..

  3. الصديق والشاعر علي مجبل هو انسان بانسانيته وخلقه وتواضعه قبل ان يكون شاعرا بشاعريته

  4. الاخ الشاعر عي مجبل يمتلك من الخصال من يجعله قادراُ على الحفاظ على مسافة واحدة مع الجميع , وفي الشعر فذلك شآن أخر , تجربة غنية رسخت أسمه على مساحة الوطن كشاعر للقصيدة النثرية , يُطـّوع المفردة , يوظف بدراية العارف التاريخ والدين والموروث . عملنا معا لدورة كاملة في التجمع الثقافي خيمتنا الوارفة الظلالة , فكانت أياما لا تنسى .. أطلالة رائعة في الشهر الفضيل . تحياتي لكما أيها الأحبة ..

اترك رد