بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 شهد العراق تحوّلًا سياسيًا كبيرًا أتاح الفرصة لظهور أحزاب وتيارات جديدة بعضها امتلك تاريخًا نضاليًا بينما ظهر البعض الآخر بشكل مفاجئ دون أي رؤية واضحة سوى السعي إلى السلطة. هذا الانفتاح السياسي غير المنضبط سمح للكثيرين بالصعود إلى مواقع صنع القرار دون أي معايير واضحة للكفاءة أو الخبرة.
كان من الطبيعي أن يصل المعارضون الحقيقيون الذين قدّموا التضحيات ودخلوا السجون وعانوا من القمع إلى مراكز قيادية في الدولة فهذا حق مكتسب نتيجة نضالهم الطويل. لكن في المقابل تفاجأ العراقيون بصعود شخصيات لم تكن تمتلك أي خبرة سياسية أو مؤهلات أكاديمية بل كان بعضها يعمل في وظائف بسيطة مثل تعقيب المعاملات في دوائر الدولة. كيف لشخص كان دوره الوساطة لإنجاز المعاملات أن يصبح فجأة وكيل وزير؟ وكيف لهذا الشخص أن يمثّل العراق في المحافل الدولية ويتحدث باسم الدولة؟
إن المشكلة الكبرى تكمن في نظام المحاصصة الحزبية، الذي جعل المناصب توزَّع كغنائم بين الأحزاب بغض النظر عن كفاءة الشخص أو قدرته على إدارة مؤسسة حكومية. هذه الفوضى الإدارية أدت إلى تراجع مستوى الأداء الحكومي وعرقلت مشاريع التنمية وأسهمت في ترسيخ الفساد داخل مؤسسات الدولة حيث أصبحت المناصب تمنح وفق الولاءات الحزبية وليس بناءً على القدرة والكفاءة.
إن استمرار هذا النهج يعني بقاء العراق في حالة من التخبّط الإداري والسياسي حيث تتولى شخصيات غير مؤهلة إدارة ملفات حساسة تؤثر على حاضر ومستقبل البلاد. الحل لا يكمن فقط في تغيير الأشخاص بل في إعادة بناء النظام الإداري على أسس مهنية تضمن وصول الأكفأ إلى المناصب بعيدًا عن المحاصصة والمصالح الحزبية الضيقة.
فهل سيشهد العراق يومًا إصلاحًا حقيقيًا يعيد للدولة هيبتها؟ أم سيظل منح المناصب مقتصرًا على الولاءات بدلًا من الكفاءات؟