تنوعٌ اعلامي هائل ومفخخ يشهده الإعلام العراقي المتسابق في برامجه ومحتواه وقضاياه غزارة لا تخلو من تناقضات بعضها يحمل رسالة إنسانية نبيلة والاخر يقتصر على الإثارة الرخيصة واستغلال المشاهد. وفي خضم هذا التناقض المزدحم نأخذ مثلاً برنامج “لمة سحور” الذي يقدمه الكوميديان الغائب عبد الرحمن المرشدي حيث ينقل الفرح إلى قلوب المسنين الذين هجرهم أبناؤهم وبنفس الوقت يشكل بصمة انسانيّة محترمة ومحترفة. وفي الضفة الاخرى تتلوث ابصارنا ببرامج مقالب تسيء إلى صورة المرأة العراقية وكالعادة تقودها ظاهرة البلوغرز التي تسيّدت المشهد باثارة الجدل في المجتمع العراقي. فلا نار اعلاميّة من غير دخان البلوغرز والفاشنيستا ليظل السؤال الاهم كيف يمكننا التمييز بين نوايا وخبث المحتوى الضار وفرزه عن الهادف.
رسالة اجتماعية فذّة
برنامج “لمة سحور” مثال على الإعلام الإيجابي الذي يسهم في ترسيخ القيم الإنسانية ويعزز الروابط. عندما يزور المرشدي دار المسنين يغني لهم ويضفي عليهم السعادة فهو يقدم أكثر من مجرد ترفيه إنه يوجه رسالة اجتماعية مفادها أن هذه الفئة تستحق الاهتمام والرعاية خاصةً في ظل واقع مؤلم يعاني فيه كبار السن من الإهمال بعد أن أفنوا حياتهم في تربية أبنائهم.
هذه البرامج اصبحت نادرة في الإعلام العربي بشكل عام ومُغيبة تقريباً في العراقي بشكل خاص حيث تركز أغلب القنوات على الترفيه السطحي بدلًا من طرح قضايا إنسانية واجتماعية تلامس واقع المشاهدين. فهل يعود هذا إلى غياب الدعم لهذا النوع من المحتوى أم إلى افتقار القنوات إلى رؤية إعلامية مسؤولة.
الإثارة وتوظيف الجسد
في المقابل هناك برامج مقالب تتعمد السخرية والإساءة خاصة بحق المرأة العراقية حيث تظهرها في مواقف مهينة أو تضعها في مواقف غير لائقة بهدف انتزاع الضحك بأي ثمن. هذه البرامج لا تحمل أي قيمة فنية أو فكرية بل تكرّس نظرة سطحية وسلبية للمرأة وتعكس انحدار الذائقة الإعلامية وغياب الرقابة على المحتوى المعروض.
الأخطر من ذلك هو إدخال مشاهد غير لائقة بما في ذلك التلميحات الجنسية في البرامج الترفيهية وكأنها أمر عادي. هذا الانحراف في الإعلام ليس مجرد مشكلة أخلاقية بل هو تهديد للهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع العراقي الذي كان لسنوات طويلة يحافظ على قيمه الأصيلة رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة.
البلوغرز واجهة بشعة
لا يمكن الحديث عن تراجع الإعلام والمحتوى الثقافي بشكل عام دون الإشارة إلى ظاهرة البلوغرز التي باتت تجتاح المشهد العراقي باعلامه وفنه وادبه وسياسته، في ظل غياب المحتوى الهادف أصبحت بعض الشخصيات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي تستغل شهرتها لاستعراض حياة الترف والرفاهية متجاهلة واقع ملايين العراقيين الذين يعانون من الفقر والبطالة.
الأدهى أن بعض هؤلاء البلوغرز يتحدثن بصراحة عن مصادر أموالهن غير المشروعة ويظهرن على شاشات التلفاز بكل جرأة دون أي محاسبة أو رقابة. طيب كيف يمكن أن تُفتح أبواب الإعلام أمام تلك الإمعات والشخصيات التي لا تقدم أي قيمة فكرية أو ثقافية بينما تُغلق في وجه المثقفين والفنانين وأصحاب الفكر.
الاسفاف يبتلع الجميع
إن الإعلام العراقي اليوم أمام مفترق طرق فإما أن ينهض بدوره الحقيقي في بناء الوعي المجتمعي وترسيح القيم الاخلاقية وإما أن يستمر في الانحدار نحو التفاهة والإسفاف. الجمهور بحاجة إلى محتوى يعكس قضاياه الحقيقية ويرتقي بفكره ويعزز هويته الثقافية. المطلوب ليس فقط محاربة المحتوى الرديء بل أيضاً دعم البرامج الهادفة التي تسهم في خلق وعي جديد يحترم القيم والتقاليد ويعزز من مكانة الإعلام كأداة تغيير إيجابي لا مجرد وسيلة للربح والإثارة.
اغلب المجتمع الجيل الحالي
حياتهم تفاهه ويفضلون الأمور التافهه حتى وان كانت تسئ للعائلته