في زحمة الاحداث المتسارعة تبرز مواقف تثير الدهشة بل الصدمة وتدفعنا للتساؤل عن طبيعة تفكير بعض من يتصدرون المشهد السياسي العراقي، وما أقصدهُ هنا صراحةً هو ما تم تداوله بشأن دعوة الإرهابي أبو محمد الجولاني –أو من يُعرف حاليًا باسم “الشرع”بعد أن تم-تلميع صورته إعلاميًا-لحضور القمة العربية المزمع انعقادها في بغداد.
الجولاني الذي حاول التسلل إلى المشهد السياسي بثوب مدني وكيوت جديد لا يمكن أن يُمحى من ذاكرة العراقيين المنكوبة. فهو ليس شخصية عابرة ولا اسماً عادياً في قاموس الإرهاب، فهو ذاته قائد فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام وهو ذاته من فتح أبواب الجحيم على العُزل بمفخخاته الغادرة فكم من أرواح أُزهقت وكم من أطفال تيتموا وكم من أمهات ثكلت بسبب عملياته الدموية الجبانة التي استهدفت الأبرياء في الأسواق والمساجد والشوارع والمراكز الأمنية.
إنه لأمر يبعث على الغضب والاستغراب أن يُدعى من تلطخت يداه بدماء العراقيين إلى بغداد لا كمجرم، بل كـ”رئيس دولة”! هل نسيّ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تصريحاته السابقة بشأن الإرهاب والإرهابيين، هل غابت عنه مشاهد التفجيرات والمقابر الجماعية التي تركها أمثال الجولاني في كل بقعة من أرض العراق، والأهم من ذلك: هل هو مخوّل من عوائل الشهداء والضحايا بأن يصفح أو يتغاضى أو يمد يد المصافحة لمن كان سبباً في مأساتهم؟
إن اللقاء الذي جرى سابقاً بين السوداني والجولاني تحت مظلة قطرية لم يكن مجرد لقاء عابر بل كان نكسة معنوية واستهجاناً شعبياً واسعاً عبّر عنه العراقيون بكل وضوح عبر منصات التواصل وفي الأحاديث اليومية وحتى في المجالس العائلية لما حمله من إهانة لذاكرة من سقطوا ضحية لذلك الفكر الارهابي المتطرف.
والآن ومع الحديث عن دعوة الجولاني إلى بغداد لحضور القمة، فإننا نرفع الصوت عالياً، فنحن العراقيين نرفض هذه الدعوة جملة وتفصيلًا ونعدّها إهانة لدماء شهدائنا ولتاريخ طويل من التضحيات التي قدمها العراقيون في وجه الإرهاب، وإذا أُصر على استقباله، فليكن ذلك بصفة المتهم لا الضيف، وليُفعّل القضاء العراقي مذكرات القبض بحقه ولتُفتح أبواب المحاكمة لا أبواب الاستقبال ولتكن بغداد منارة للعدالة لا مضيف للمجرمين.
ختاماً، نقولها بوضوح؛ العراقيون لم ينسوا ولن ينسوا والذاكرة العراقية أقوى من أن تُخدَر بـ”دبلوماسية المصالح” أو بـ”ابتسامات المصالحة” العدالة أولًا، والكرامة خط أحمر، واگطع.
قد يأتي حيا ، لكنه سيغادر العراق في صندوق خشبي