في زحام الترندات الزائفة والنجوم المؤقتة، برز اسم “أبو أنعام” كحالة فريدة جمعت بين الطرافة والحكمة، بين السخرية والوجع، حتى صار اسمه يطرق أبواب الشهرة من أوسعها، ليس فقط في العراق بل في كل أرجاء الوطن العربي.
الاسم الحقيقي للمرحوم هو جبار يوسف راهي السعيدي، رجل عراقي مسن من أبناء مدينة سوق الشيوخ في جنوب محافظة ذي قار. خدم لسنوات طويلة في سكة الحديد، واحتفظ حتى آخر أيامه بنظافة ملابسه، وهدوء ملامحه، ولهجته الشعبية العفوية التي اختزلت معاناة أجيال كاملة.
بدأت شهرة أبو أنعام نهاية عام 2010، حين ظهرت مقاطع فيديو على موقع يوتيوب يظهر فيها وهو يرد على استفزازات بعض المراهقين بكلمات ساخرة وشتائم لاذعة أصبحت من كلاسيكيات الثقافة الشعبية. من أشهر عباراته التي تحوّلت إلى “ميم” عالمي:
“الله يطيح حظج يامريكه”
سرعان ما انتشرت هذه الجملة لتتحول إلى لسان حال الملايين، تتناقلها الشاشات وصفحات التواصل الاجتماعي، وتُستخدم في النكات والمواقف الساخرة وحتى الأغاني.
لكن خلف هذه الضحكات، كانت تختبئ قصة رجل لم يُعامل بإنصاف. فقد كان ضحية لسخرية الشباب وعدسات الهواتف التي لاحقته بلا رحمة، غير أن الجماهير التقطت الجانب الآخر من شخصيته: أبو أنعام الرجل العفوي، الصادق، الحكيم بطريقته، والبريء رغم لسانه السليط.
كان يمثل جيلًا كاملاً من العراقيين الذين عاشوا على الهامش، وواجهوا الحياة بما توفر من كرامة ونكتة سوداء. ولم يكن غريبًا أن يتحوّل إلى رمز شعبي، يعكس ملامح مدينة وأصالة بيئة، وحكاية وطن.
الوداع الأخير
في 11 آذار 2011، غادر أبو أنعام هذه الدنيا بهدوء، كما عاشها ببساطة. توفي في مدينة الناصرية، تاركًا وراءه فراغًا في الذاكرة الشعبية، وصدى لا يزال يتردد في المقاهي، وعلى شفاه الشباب، وحتى بين مشاهير المحتوى.
رحم الله جبار السعيدي (أبو أنعام)، الذي رحل جسدًا، لكنه بقي في وجدان العراقيين والعرب… أيقونة لا تُنسى، وصوتًا شعبيًا لن يخفت.