على ضفاف الفرات في قلب الناصرية، عاصمة الحرف الأول ومهد الحضارة السومرية، تتعالى أصوات الطفولة وهي تردد آياتٍ من الذكر الحكيم، في مشهدٍ يفيض بالإيمان والأمل.
فقد اختار عدد من شيوخ الدين أن يجعلوا من كورنيش الناصرية ساحةً مفتوحة لتعليم الأطفال القرآن الكريم، في مبادرةٍ تجمع بين روح العبادة وجمال الطبيعة، وبين الإيمان والتاريخ الذي لا يزال نابضًا في هذه المدينة العريقة.
يجلس الأطفال في حلقاتٍ صغيرة تحيط بشيوخهم، يتعلمون مخارج الحروف وأحكام التلاوة الصحيحة، بينما تنساب أصواتهم البريئة كأنها تراتيل ملائكية على ضفاف النهر. مبادرةٌ نادرة تُعيد التوازن إلى مجتمعٍ أنهكته السياسة والانقسامات، وتذكّر الناس بقيم الدين السامية القائمة على المحبة والإصلاح والتسامح.
ولم تقتصر الفعالية على دروس القرآن فحسب، بل رافقتها أنشطة ثقافية وتربوية، شملت توزيع كتبٍ دينية وتنظيم مسابقات للأطفال، ما جعل الكورنيش يتحول إلى مساحة نابضة بالحياة والسكينة في آنٍ واحد.
وهكذا، يعود كورنيش الناصرية ليكون أكثر من مجرد مكانٍ للنزهة، بل منبرًا يلتقي فيه الإيمان مع التاريخ، حيث تتعانق ألحان القرآن مع صدى الأناشيد السومرية القديمة التي كانت تُرنم للحياة والعطاء قبل آلاف السنين.
فالناصرية — المدينة التي وُلد فيها الحرف الأول ونُقشت فيها أول شرائع الإنسانية — تواصل كتابة التاريخ بمدادٍ جديد، مدادٍ من الإيمان والقرآن، لتقول للعالم:
ما زلنا نكتب… ولكن هذه المرة، بحروفٍ من نور.